الأربعاء، 9 أبريل 2025

التعلم بواسطة تمرين محلول - من الإنجاز إلى التمهير

 


التعلم بواسطة تمرين محلول

  من الإنجاز إلى التمهير

عبد الرحيم الضاقية

من بين التجديدات التربوية التي أتت بها مبادئ التعليم الصريح إيلاء الأهمية للحظة تصحيح الفروض والوضعيات الاختبارية باعتبارها محطات تعلُمية وليس تقويمية فقط. وقد أوصت الدراسات المرجعية لهذا الخيار البيداغوجي باستثمار أمثل للوضعيات الاختبارية بكل عناصرها (أسئلة – أجوبة – أخطاء – تصحيحات) من أجل بناء وضعية تسمح برجوع المتعلم/ة نحو الوراء لاكتشاف مسار إنجازاته في المادة المعنية وتقويمها بشكل ذاتي (Gautier et Bissonette- Révérenciel de l’enseignement explicite- p167). وتعتمد هذه الوضعية على تمرين أو وضعية اختبارية أشتغل عليها المتعلمون/ات في سياق آخر، لكن بعد تصحيح الإنجازات من طرف المدرس/ة يحولها إلى وضعية تعلمية بواسطة تمرين محلول Enseignement par problème résolu . وتختلف هذه الوضعية عن بيداغوجيا حل المشكلات أو التعلم عبر المسائل بحكم أن المتعلم/ة قد قطع هذه المرحلة وهو الآن أمام إنجاز تم فيه استثمار ما كان لديه من قدرات أثناء إجراء الاختبار. كما أن المدرس/ة لا يواجه غموض موقف التحصيل كما في وضعيات تعلمية بل هو أمام مستوى معلوم من الإنجازات يمكنه أن يحولها إلى نسب مئوية ويقدم بصددها دراسة إحصائية. لذا فالجميع قد بذل جهدا في التعامل مع هذه الوضعية من جهة الأستاذ/ة على مستوى التصور والبناء ثم التصحيح، ومن جهة التعلم/ة على مستوى الإنجاز واستثمار المعارف الجاهزة والكفايات المعبئة. وتأتي هذه اللحظة لاستثمار الحلول المختلفة في تحديد ملمح تعلمي جديد نابع من وضعيات تعلمية سابقة ووضعيات إنجاز لاحقة وممارسة تعديلية آنية قد تكون لها آثار إيجابية على التعلمات في المستقبل.

وهذه الوضعية تحقق العديد من المزايا والمكاسب التربوية التي أتبتث الدراسات نجاعتها في وضعيات تكوينية وتعلمية في منظومات رائدة. ويمكن الاستئناس بهذه الوضعية عبر الموجهات الآتية:

-          بعد تصحيح أوراق التحرير يتم عرض الوضعية الاختبارية في حصة التصحيح من خلال تفكيكها إلى مهام قد لا تحترم الترتيب الذي وردت به في الوضعية الاختبارية لأن الهدف هو فحص المنطق التقويمي الذي حكمها أثناء الوضع؛

-          التعرف على الوضعية الاختبارية: نوع التمارين المقترحة – القدرات المستهدفة – أدوات القياس المستعملة – طبيعة الأفعال التوجيهية المستعملة – مدى احترام أو التصرف والاجتهاد في الإطار المرجعي – المحاذير الواجب الانتباه إليها لعدم الوقوع في الخطأ – كيفية توزيع سلم التنقيط- ملائمة الوضعية مع الحيز الزمني المعطى؛

-          يتم الاشتغال الجماعي عليها من أجل إنجازها مع الحرص على إشراك الجميع، حتى الذين فشلوا في الجواب لأن المدرس/ة يعرفهم/ن بحكم تصحيحه للأوراق؛

-          تسهم هذه العملية في اكتشاف الجواب لكن الأهم هو اكتشاف مكان الخطأ لتلافي العودة للوقوع فيه؛

-          يتم التركيز على الجوانب المنهجية التي يتعين الاحتفاظ بها مثلا في إنجاز تلخيص أو استخراج معطيات أو في إبداء الراي أو كشف زمان ومكان وقوع الأحداث أو تطبيق قاعدة رياضية أو فيزيائية؛

-          تغيير العلاقة مع الخطأ واعتباره مرحلة للتعلم وليس فشل مستمر فالجميع يرتكب الأخطاء، ويقوم بالرجوع إليها كي تصبح علامات للتنبيه وليس خنادق يتم السقوط فيها مجددا؛

-          التركيز على تقنية الإنجاز وليس موضوع التمرين من أجل اكتساب مهارات وليس معلومات؛

-          ليس المهم هو الجواب الصحيح لكن المهم هو الطريق المسلوك للوصول إليه؛

-          تدون الأجوبة تحت الأسئلة على السبورة وعلى دفاتر المتعلمين/ات على شاكلة درس عادي؛

-          يكتب المتعلمون/ات بشكل تدريجي الأسئلة والأجوبة بألوان مختلفة على دفاترهم/ن والحرص على اختيار التعبيرات التي يختارونها وشرح المفردات والمصطلحات الصعبة في نفس الآن؛

-          من عناصر قوة هذه الوضعية هي تجاوزها الحدود بين المواد والمكونات التي تفرضها الدروس في المقرر، فهي تعمل على تجاوزها وتقديمها كمكونات شبيهة بالمعارف التي يحتفظ بها الفرد في ذاكرته والتي لا تفصل بين المواد الدراسية، والمستويات، والدروس؛

-          تأخذ الوضعية الاختبارية الكثير من الجهد من الأستاذ/ة من أجل تهيئها واختيار الوثائق والأسئلة الملائمة وتوزيع النقط على سلم متكافئ. كذلك نجد المتعلمين/ات يبذلون جهدا خاصا من التحضير للوضعية للحصول على نتائج جيدة. هذا الجهد كله يضيع حيث بمجرد توزيع الأوراق لينتهي كل شيء، لذا فهذه الوضعية تجعل الجميع يثمن هذا الجهد من أجل الاستفادة منه سواء من حيث صيغ الأسئلة أو نوع الأجوبة والمنهجيات الموظفة وطرق تطبيق القواعد وبناء السلاسل والبرهنة المنطقية؛

-          تشكل هذه الوضعية شكلا من أشكال الممارسة الموجهة التي يكون فيها الاشتغال جماعيا بين مجموع المتعلمين/ات والمدرس/ة مما يفضي إلى تحقيق الدعم والمساندة الوظيفية، والإسهام في تعزيز استقلالية المتعلم/ة في المستقبل؛

-          بما أن الوضعية المطروحة أو السلسلة يعرفها جيدا المتعلمون/ات فإن ذلك يساعد المدرس /ة على استعمال مبدأ الإيقاع المكثف والتفاعل القوي من طرف المتعلمين/ات مما يحقق سلاسة في طرح الأسئلة ومعالجة التعثرات بشكل فوري لأن الجميع يعرف الجواب النهائي؛

-          يعتبر التعلم ب تقنية سؤال/ جواب ناجعة في الكثير من الوضعيات التي تحتاج اكتساب مهارات عملية. ومن نماذجها المشهورة التدرب على قانون السير لاجتياز رخصة السياقة والتي تعرض بهذه التقنية التي تجعل الجميع يستوعب معطياتها بسرعة ويتم ترسيخها في الذهن بسرعة؛

-          ينتهي المدرس/ة من الوضعية بتحذير أو تحذيرين تكتبان كخلاصة في نهاية الوضعية من قبيل «ضمن وضعية الاشتغال على الوثائق الجواب يوجد أمامي» أو «تطبيق القاعدة هو مفتاح الحل»؛

-          ينصح المدرس/ة المتعلمين/ات بالرجوع للتصحيح كذلك من أجل التدرب أو تهيئ الاختبارات الدورية والجهوية أو الفروض الكتابية من أجل التعرف على طبيعة الوضعيات الاختبارية كدروس كذلك؛

-          تتحول هذه الوضعية المكونة من أسئلة وأجوبة إلى معارف ومهارات ومكونات منهجية يمكن الاشتغال عليها تماما مثل الدروس العادية؛

وبذلك يستفيد المتعلم/ة من إعادة النظر في تعلماته من زاوية تقويمية لا تحترم منطق الدرس، كما انها عودة لوضعية سبق أن تمرن عليها، وأتيحت له الفرصة في المحاولة والخطأ. وبعد ذلك تم التقاسم مع إنجازات زملائه تحت مراقبة وتوجيه المدرس/ة الذي يزوده بمحاذير تؤهله لمواجهة وضعيات تقويمية مشابهة أو مخالفة. وتمكن هذا الشكل التعلمي من تطوير الأداء في مختلف المواد الدراسية إن أتيحت الفرصة للمتعلمين/ات للرجوع إلى وضعيات تقويمية محلولة.

مقالة منشورة في جريدة الأخبار عدد 3749 – ليوم 08 ابريل 2025

 

 

 

 

 

 

 


;