دفتر المتعلم/ة بين الوظيفية والرمزيةفي محفل التعلم
بمناسبة كل دخول مدرسي تندلع حروب الدفاتر والكتب المدرسية في كل شرائح
المجتمع، بين أولياء الأمور والوزارة الوصية حول الخصاص أو الأثمان أو ثقل المحفظة
وكلها ظواهر تعكر صفو الدخول المدرسي الذي من المفترض فيه أن يكون احتفاء بالمعرفة
والتربية والأخلاق الفاضلة بدل المناوشات السياسية والاقتصادية التي تعصف بما تبقى
من منسوب الثقة في المؤسسة التعليمية. ويعتبر دفتر المتعلم/ة حافظة شبه شاملة
لمجريات أحداث الحصص الدراسية، وتقريرا يوميا عن وقائع فردية وجماعية تم تدوينها
بشكل فردي من طرف المتعلم/ة وبتوجيه من المدرس/ة. لذا نجد المتعلم/ة يربط به علاقة
حميمية تخفي أسرارا وتفاصيل متوارية في الذاكرة. وباستعمال آليات التشريح الدقيق
لبعض مكونات المدرسة التي لا يهتم بتفاصيلها جل المشتغلين/ات بالميدان يمكن
التساؤل عن علاقة الدفتر بصاحبه حين يمنحه هويات متعددة أثناء اشتغاله اليومي الذي
يمتد رسميا على مدى السنة الدراسية بأسابيعها الثلاثين.
فالمتعلم/ة يعتبر الدفتر من صنع عقله ويده
ويتعامل معه بهويات متعددة كلها تصب في أهداف محددة. فهو عبارة أن أداة تم تطويرها
إلى أن تحولت إلى وسيلة عمل لها وظائف متطورة في الزمان والمكان ثم إنها تتحول مع
الزمن إلى صنيعة فنية وجمالية تعطي مؤشرات على الكاتب من حيث ذوقه واختياراته ودرجة
اهتمامه بها. وفي هذه الورقة المختصرة سوف نوضح بعضا من هذه الهويات التي يلبسها
الدفتر في سبيل الكشف عن بعض الصعوبات التي يمكن تجاوزها في إطار بدايات الموسم
الدراسي.
·
الدفتر الأداة: عندما يحصل المتعلم/ة على حزمة دفاتر في
بداية كل موسم دراسي فهي تكون عبارة عن أشياء Artefacts مكونة من كومة أوراق مجموعة بلصاق أو سلك
ومغلفة بورق مقوى أو بلاستيك لا يحمل الواحد منها أي مؤشر على وظيفته أو ميزته وهو
غير خاضع لأي مراقبة مجتمعية. فالتحول يحصل عندما يرتبط هذا الشيء بوضعية يعطيها
له السياق التعلمي عبر مجموعة من الأحداث القرارات من قبيل تدخل المدرس/ة من أجل
تخصيص دفتر للدروس وآخر للتمارين والثالث للإعداد القبلي، أو تقسيم دفتر واحد إلى
قسمين بناء على اختلاف المواد الدراسية. فيأخذ هنا الدفتر هوية معينة وقد يميز
بلون غلاف أو عنوان بالبنط الغليظ ليتحول إلى أداة لها مهمة ضمن فضاء الفصل
الدراسي أو خارجه. فيمكن أن يصبح وثيقة تستقبل دروسا وملخصات وتركيب يتعين العودة
إليها في المنزل من أجل إنجاز التمارين في دفتر آخر بهندسة أخرى وتنظيم مختلف عن
الأول. هنا يتحول الدفتر إلى أداة لترجمة إرادة المدرس/ة في وضع تصور خاص به عبر
تحويله إلى تعبير نفسي عن نظام من أنماط الاستعمال. فعندما يطوف
المدرس/ة على الصفوف او يقوم بمراقبة الدفاتر يحس بأن العديد من تمثلاثه وتصوراته عن
دروس أو أنشطة أو تمارين قد وجدت طريقها إلى الوجود عبر دفاتر المتعلمين/ات التي
تترجم إرادته بشكل متفاوت. مما يجعل الدفتر-الأداة يشتغل بمنطق ثلاثي
متداخل يتكون من الدفتر/ الأداة في تفاعل مع الموضوع/ المادة الدراسية بتوجيه
وإرادة من الذات/ أنا المتعلم/ة.
·
الدفتر وسيلة عمل: يوجد الدفتر بناء على هذه الخطاطة في موقع
وسط افتراضي بين الأنا والموضوع المراد دراسته لذا يتحول الدفتر من مجرد أداة إلى
وسيلة عندما تتحدد المهام المختلفة التي يمكن أن تكون من نصيب المتعلم/ة كحرَفي مُتمرن
يتلقى توجيهات من مدرس/ة متمكن من مهمته. فيتحول الدفتر إلى ورشة مشتركة تتفاعل
فيها الإرادات المختلفة حيث يمكن الوقوف على مستويات التناص والتعالق الذي يربطه
مع الكتاب المدرسي مثلا الذي يعد تنزيلا للمنهاج بكل حمولاته القيمية والاجتماعية
وخياراته التربوية. كما نجد أن طرق الاشتغال تختلف ما بين مادة دراسية وأخرى
فبعضها تعتمد الدفتر كذاكرة حية تلتقط كل التفاصيل المدرجة في الدرس، وبعضها الآخر
تتخذ منه وسيلة للتطبيق والتجريب ومقاربة المواضيع المختلفة، وبعضها الآخر يجعل من
الدفتر وسيلة لاستكشاف موضوع الدرس في أفق البناء النهائي خلال الحصة... وكلها
وضعيات تستوجب تموضع معين وطرق مختلفة للمقاربة والهيكلة؛
·
الدفتر التحفة œuvre : وقفنا على تحول أول للدفتر من مجرد شيء أو
سلعة إلى أداة عمل لها وظيفة محددة، سوف نقف الآن عند تحوله إلى تحفة فنية. فبمجرد
أن يضع عليه المتعلم/ة اسمه أو عنوانا أو شكلا مميزا عبر نمط معين أو لون أو تشكيل
أو لون غلاف مما يدل على استراتيجية تفريدية إرادية يتحول هذا الدفتر إلى صنيعة
شخصية ترتسم عليها سمات ذاتية فريدة (Blochs,2009,p85). ومن عناصر اكتمال ميزة الدفتر-التحفة وجود عناصر منها: المبدع/ة
وهو المتعلم/ة في الدرجة الأولى، وقد يتدخل في بعض الأحيان المدرس/ة من أجل
التوجيه والتحسين دون المساس بالاختيارات الذاتية الخاصة. كما ان المتعلم/ة يحرص
على انبعاث جمالية معينة من طريقة كتابة العناوين أو التسطير أو تدبير
الفضاء مما يسمو بهذا الدفتر من مجرد وظيفة إلى بعث رسائل جمالية توحي بالفرد الذي
يختفي وراء هذه الاختيارات. ويتعين الإشارة إلى أن التحفة تعكس الأسلوب Style الذي يعد ترجمة لرؤية معينة تحمل في طياتها
ممارسة تعكس نظرة الفاعل في سياق زمني ومكاني، قد تعكس أزمته أو فرحه أو مروره من
فترة حرجة من حياته (المراهقة – ضغط الامتحانات – فشل...).
هذا التحليل وغيره يفضي بنا إلى اعتبار الدفتر عينة حقيقية لمنظومة تربوية
متعددة المداخل فمجرد فتح دفتر يتبدى أمامنا نوع المنهاج وطريقة العمل وأوليات
العمل الصفي وطرق التناول ومستويات المراقبة والتقويم التي يخضع لها. والواقع يشيء
بأنه رغم عشريات الإصلاح وترساناتها الوثائقية من الميثاق إلى الرؤية، إلى
المقاربة، إلى النموذج، فخارطة الطريق ثم مئات التكوينات والمنتديات العملاقة التي
تعطى فيها الكلمة للعارفين وغير العارفين وبل وحتى للمهرجين.. كلها لم تستطع تجاوز
دفتي دفتر المتعلم/ة لتفعل فيه فعلها. فعند فتح دفتر بشكل عشوائي يمكن الوقوف على
التشوهات التي تعرفها المعرفة المدرسية، والبناء العشوائي الذي يطال الدروس
والأعطاب التي تلم بالمقاربات والقواعد، ولم تسلم حتى الحروف والأرقام والجمل
والكلمات من هذه الأمراض المعدية التي انتشرت على طول وعرض الصفحات القليلة التي
عرفت تسويد أوراقها أما أغلبها فيبقى خارج الاستعمال ليبقى فارغا بفعل البثور والانقطاعات
التي تعرفها المدرسة لسبب أو لآخر.
عبدالرحيم الضاقية
كاتب وياحث في التربية والتكوين