http://kechpresse.com/details/6908
ذ. عبد الرحيم الضاقية يكتب : التكوين والتكوين المستمر ضرورة حيوية للمنظومة التربوية
في الوقت الذي أرخت الجائحة بثقلها على البشرية جمعاء فأتت على الأخضر واليابس على مستوى الاقتصاد والمجتمع والصحة والتربية .. ترى العالم اليوم يستشرف الأمل نحو دواء أو لقاح ناجع يخلص الجميع من هذا الكابوس . هنا تلاشت كل الأصنام والأوهام التي كانت تعتقد فيها البشرية حتى زمن قريب ، فلا مجال هنا للفتاوى المعضدة ولا لإ يديولوجيا نافذة ولا شعارات رنانة .. الكل يرنو إلى المختبرات العلمية والبحث العلمي من أجل فك شفرة الفيروس والنفاذ لمكوناته من أجل الانتصار عليه.إذن أصبح العالم ينتظر منتوج المدرسة والجامعة والمختبر من أجل الاستمرار في الحياة ، وهنا أخذت الشعوب التي استثمرت في المدرسة الريادة حيث أن الجميع بما فيها الشعوب التي تدعي الغنى المالي والاستثماري تتزاحم من أجل الظفر بجرعة من بضع ممللترات من السائل المخلص ، لكنه ناجع لأن به عصارة العلم والتجربة والمعرفة .ونكتشف جميعا مرة أخرى قيمة الاستثمار في المدرسة ومخرجاتها ومن أوجه الاستثمار فيها تعزيز دور العنصر البشري ضمنها ، وخاصة المدرسون/ات بكل أصنافهم/ن ودرجاتهم/ن لأنهم/ن يشكلون الوقود الذي تسير به آلة المدرسة .ولعل الالتفات لهذا المستوى من المنظومة كفيل بفتح عيون المجتمع على المستقبل من خلال بناته وأبنائه المتوازنين نفسيا والمعززين علميا من أجل رفع تحدي التنمية والارتماء بإقدام في بحر البحث العلمي . ويعد التكوين والتكوين المستمر آلية جديرة بالعناية من طرف منظومتنا التربوية من أجل العبور إلى مجتمع المعرفة الذي لم يعد خيارا بل ضرورة فرضتها الظرفية الراهنة .
يعد مفهوم التكوين والتكوين المستمر مركزيا في منظومة الإصلاح حيث نجد أن جل وثائق الإصلاح تربط بين مفهومي التربية والتكوين والتعليم والتكوين بل هناك من يعتبر أن هذا المفهوم هو الغاية المثلى من أي نظام تربوي. فالتكوين هو مجموعة من الآنشطة والوضعيات التي يكون هدفها اكتساب أوتنمية فرد أو مجموعة معارف ومهارات ومواقف من أجل تطويرها لتصبح كفايات ذاتية يمكن بواسطتها مواجهة وضعيات حقيقية أو مفترضة. ويهدف التكوين في غاياته إلى التغيير الإرادي من أجل تطوير الأداء.
وعلى مستوى إصلاح المنظومة الوطنية فان الميثاق قد أفرد للتكوين الدعامة 13 حيث ربط التكوين بتطوير أداء الموارد البشرية من مختلف المستويات ( مدرسين _ إداريين -مفتشين _ مدبرون…) وأشار إلى ضرورة استفادة أطر التربية والتكوين من دورات تكوين مستمر لتحسين كفايتها (30 ساعة سنويا) ولإعادة التأهيل مرة كل ثلاث سنوات كما ربط بين التربية والتكوين.وقد أحال الميثاق على أنواع من التكوين لا باس من ذكرها:
_ التكوين الأساسي( FI): وهو الذي يتم عبر مراكز تكوين والإعداد لمهن التربية والتكوين.ويشتغل بآليات متعددة أهمها تعميق التخصصات في مختلف المواد والمجالات المدرسة من طرف المدرسة ؛
_التكوين المستمر(FC):أو أثناء الخدمة وهو الحاصل أثناء أداء المهام خلال دورات محددة.ويهدف تعزيز قدرات الفاعلين/ات التربويين من حيث الأداء المهني ويرمي إلى النجاعة المهنية وحسن تدبير زمن التعلمات وترشيد النفقات ؛
_التكوين بالتناوب:(FPA ): أي المراوحة بين التكوين والممارسة المهنية، ويعتبر تجديدا تربويا ناجعا لكن المنظومة قليلا ما فعلته لضرورات تنظيمية وتدبيرية .
_التكوين بالتمرس( FPE): انجاز مهام التكوين بالموازاة مع أداء المهمة المهنية.إن كان هذا النوع قد ولج المقاولات لكن على مستوى المنظومة لازال لم يفعل بشكل رسمي وناجع ، وإن كانت بعض المبادرات لا تخلو من بعض معالمه .ومن مزاياه الدقة والسرعة والنجاعة وانخفاض الكلفة لأن الفاعلين/ات في الميدان هم نفسهم/ن الذين يشكلون عناصره الأساسية .
_تكوين المكونين(FF ): وهو تكوين يروم تكوين أطر مكونة كالمفتشين وتكوين رواد التربية غير النظامية .
_التكوين عن بعد: ( FAD) يتم عبر وسائل تكنولوجية في بعض الوضعيات الخاصة.وقد أثبتت الجائحة نجاعة هذا الاختيار وقدرته على تجاوز الزمن والجغرافيا مع الحفاظ على صحة وسلامة الجميع ولعل الكثير من المدبرين التربويين وصانعي القرار يفكرون مليا في بناء تصورات تسير في هذا الخيار المتجدد والأقل كلفة مادية مع نجاعة عالية ؛
وقد لاحظت أغلب التقارير والتقويمات على أن وثيرة انجاز التكوينات لم يكن في المستوى المطلوب. وقد أثير الموضوع أثناء انعقاد منتدى الإصلاح (يوليوز 2005) بمناسبة منتصف العشرية كما أن تقرير المجلس الأعلى قد أشار صراحة إلى الخصاص الكبير على هذا مستوى فجاءت الخطة الاستعجالية عبر المشروع المسمى "تعزيز كفاءات الأطر التربوية" عبر خطتين:
_خطة التكوين الأساس عبر أحدات المراكز الجهوية لمهن التربية التكوين بهندسة تكوينية جديدة وعدة منفتحة على الوضعيات المهنية.
_خطة التكوين المستمر المعتمدة على نوعين من التكوين الأول تأهيلي يتم كل سنة ثم تكوين لإعادة التأهيل لم تحدد مدته.
وعلى المستوى الميداني أبان التكوين المرتبط بيداغوجيا الإدماج الذي ثم في السلكيين الابتدائي والإعدادي (2009_2010)على الخصاص الكبير الذي تعانيه المنظومة حيث أن بعض فئات المدرسين/ات لم يحضروا أي دورة تكوينية على مدى عقدين أو أكثر وأصبح رصيدهم المعرفي الوحيد محتويات الكتب المدرسية.كما أشارت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 في العديد من دعاماتها على حيوية التكوين بالنسبة للمنظومة
وقد خرج الجميع من هذه التجارب بضرورة وضع خطة إصلاحية للتكوين، أما على المستوى التأهيلي فإن موجة توظيف حاملي الشهادات حملت إلى الأقسام مدرسين /ات يفتقدون للتكوين أساسي وواجهوا الواقع التربوي بتكوينهم الأكاديمي الذي لا يتلاءم مع الواقع المدرسي باعتبار آلية التحويل الديداكتيكي إلى يفتقدونها فكانت المردودية الداخلية والخارجية واضحة في نسب ونتائج الدراسات الوطنية والدولية لتقويم التعليمات.ثم أتت موجة توظيف أكبر ابتداء من موسم 2016 بولوج المهنة آلاف من الأساتذة/ات الجدد الذين خضعوا لتكوين سريع في المراكز الجهوية لمهن التربية ، وكان المعول في هذا الصدد على التكوين الذاتي الذي كان قاصرا في توصيلهم/ن إلى المستوى الذي يمكنهم/ن من مواجهة صعوبات الفصل الدراسي .وإن لم تتوفر بعد دراسات مسحية للواقع والحاجيات فالمرجح أن الصعوبات التي تعترضهم/ن تحتاج إلى خطة تكوين مستمر بمنظور جديد يتناسب و المهام التي يضطلعون بها.
وبناء على ما سبق لا مناص من إعادة طرح التكوين كمفهوم مركزي في أي عملية إصلاحية للمنظومة في سبيل تمهين العنصر البشري. هذا التمهين الذي يعتمد على قاعدة من المعارف المتخصصة والكفايات المهنية، وعلى أساس ذلك يتم تقويم جودة الخدمات والمهام الموكولة لفئة معينة. كما أن هذا التمهين لا بد له من الاستناد على المعطيات الوضعية للمنظومة والمتغيرات الوضعياتية من هنا يصبح التكوين ضرورة تنموية. كما انه لا بد من الإشارة إلى أن كل تكوين يتم خارج تحديد وتحليل للحاجات الحقيقية للمستهدفين لا يعدو أن يكون مهرجانات لتبادل الخطابات وهدر المال العام.