الأربعاء، 10 أبريل 2019

لغات التدريس مشجب تعلق عليه هواجس خارج- مدرسية
























عبد الرحيم الضاقية – باحث في التربية والتكوين


  يبقى موضوع اللغة موضوعا حساسا على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي نظرا لما تحمله اللغة من شامات Schèmes   وتمثلات المجتمع فاللغة لا يمكن فصلها عن الفكر حسب تشومسكي . إلا أن اللغة على مستوى تدريسية المواد تعد وعاءا تواصليا بواسطته يتم توصيل المعارف والقواعد والأفكار. ويختلف تأثير اللغة حسب عمر التلميذ/ة ففي مستويات معينة من بداية المشوار الدراسي لابد من التركيز على لغة واحدة  للتواصل من أجل تركيز الأس الأول للمعارف والقواعد ،ثم في مرحلة لاحقة يمكن الانتقال إلى وسائل تواصل أخرى . و حتى في مستويات دنيا تنبث الأبحاث أنه في نفس الدرس أو المكون يمكن استعمال عدة لغات في نفس الوقت ففي درس الرياضيات مثلا يمكن استعمال الجمل الكتابية  بلغة كلاسيكية والشفهية بلغة عامية ثم الرموز اللغوية الخاصة ، والرموز الكونية بل يمكن استعمال الإشارة والجسد وتعابير الوجه وكلها لغات هدفها الوصول إلى الاكتساب وعند حصوله يمكن التعبير بأي لغة نريد .إذن لابد من الاتفاق على أن اللغة ما هي إلا وسيلة نقل يمكن أن نشحنها بما نريد من مكونات وأن التركيز على وسيلة نقل وترك المضامين والحمولات يبدو لنا أنه نظرة قاصرة للأمر .  وبالنظر إلى النقاش الدائر حاليا حول لغات تدريس العلوم نجد أنه يفتقد إلى المرجعية الأكاديمية لأن الفيصل في الأمر ليس تجييش فريق ضد آخر أو تغيير في المواقع حسب المزاج ، بل يتعين إطلاق دراسة أكاديمية أو أستشارة بحثية وطنية تقوم بها مؤسسة مشهود لها بالحياد من أجل الوصول إلى الخلاصات الصالحة للتلميذ/ة الذي يبقى الهدف الأساس من كل مشروع تربوي .
وبالعودة إلى الميدان نجد أن واقع الحال يشير إلى وضعيات متناقضة أحيانا فمعظم الأقسام المغربية اليوم سواء في مادة تستعمل اللغة العربية كلغة تدريس أو مادة علمية تستعمل لغة أجنبية ، أو حتى مادة اللغة الأجنبية بنفسها نجد أن المكتوب وحده يتم باللغة الأجنبية أما الخطاب فهو لغة  دارجة وسيطة  تمتح من مرجعيات شفهية مغلفة بلكنات محلية . وهذا الأمر راجع بالأساس إلى معطيات متعلقة بمستوى التلاميذ/ات سواء في اللغة العربية أو غيرها ، كما يتعلق كذلك بتكوين الأساتذ/ات فنجد أن المدرسين/ات فئات كثيرة تختلف من حيث تمكنها من لغة التخاطب حسب تكوينها الأساس والتكميلي ، ويزداد الأمر تفاقما حين نعلم أم الوزارة الوصية لا تملك تصورا أو مشروعا للتكوين المستمر . رغم أن الميثاق قد أكد على ضرورة استفادة كل أستاذ/ة من غلاف تكويني من 30 ساعة كل سنة ، ومنذ عقدين من الزمن لم يفعل هذا المشروع الحيوي على أرض الواقع مما يجعل الملاحظ يجد أن هناك من قضى 30 سنة من المهنة ولم يحضر ساعة واحد للتكوين المستمر بشروطه المتعارف عليها .

هناك مستوى آخر يمكن أن نعالج منه هذه الإشكالية وهو زاوية التلميذ/ة والأسرة . فعلى مستوى التلميذ/ة تثبت الدراسات المتخصصة أن أفضل لغة يمكن أن يحصل بها التعلم هي لغة الأم.وفي الوضع المغربي نجد أن لغة الأم متعددة لعوامل تاريخية وسوسيولوجية  ومجالية لذا هنا لابد من دراسات متخصصة لتحديد نوع اللغة التي يتعين أن يتم بها التدريس خاصة في المستويات الدنيا. تاريخيا دخلت المدرسة العصرية إلى المغرب مع الاستعمار ، ومن البديهي أن تكون لغة المستعمر هي السائدة في النظام التعليمي التابع للإقامة العامة مع بقاء نظام تعليمي تقليدي باللغة العربية. وقد حاربت الحركة الوطنية الاستعمار على واجهة المدارس الوطنية التي نادت بالتعريب  . وبعد الاستقلال تبنى المغرب نظاما هجينا أفضى في لحظة من لحظات "الإصلاح" إلى تعريب تدريس العلوم وبعض المواد الأخرى دون أن يتم التمكن من تعريب التعليم العالي والمدارس والمعاهد العليا . وقد تزامنت هذه الإجراءات مع تدني على مستوى جودة الخدمة العمومية على مستوى المدرسة والتي ظهر للبعض على أن السبب هو لغة تدريس المواد العلمية لكن الواقع يحيل على أعطاب كبرى على مستوى المنظومة برمتها .هذا الوضع جعل الأسر تدخل على الخط بالبحث عن مخرج لأزمة المدرسة هنا وقعت هجرة عارمة إلى التعليم الخصوصي- خاصة لدى الطبقات الوسطى -  والذي جعل من تدريس اللغات في سن مبكرة أصلا تجاريا مربحا عززه الاستفادة من طرق وأطر المدرسة العمومية مما حسن من مخرجاته على مستوى سلاسة وسهولة الولوج للتعليم العالي الذي بقي باللغة الأجنبية ( الفرنسية) .أما المدرسة العمومية فبقيت تتخبط في أزمتها البنيوية التي لم تنفع فيها البرامج الاستعجالية ولا الأولوية ولا الإستراتيجية ..مما جعل المنظومة توجد في منطقة توثر مجتمعي قوي يكفي إثارة موضوعة واحدة ولو كانت هامشية كي تصبح قضية رأي عام . ويكفي هنا الإشارة إلى النقاش الذي دار خلال بداية موسم 2018/2019 حول بعض الألفاظ الدارجة في بعض الكتب المدرسية لنقف على أن المواد والأدوات المستعملة في المدرسة المغربية كلها قابلة للاشتعال الآني . كما أن هذه المقاربة السوسيولوجية تجرنا إلى البحث في المواقع الاجتماعية في علاقتها بلغة التدريس فنجد أن الدراسة بلغات أجنبية ارتبطت بفئات متوسطة أو عليا وهي التي تجد مكانها في سوق الشغل بفعل " إعادة الإنتاج " بلغة بورديو Bourdieu  من جهة وطبيعة المقاولة المغربية وحتى بعض القطاعات الإنتاجية  التي تستعمل الفرنسية أو الانجليزية . هذه الصور المجتمعية تجعل الفئات الشعبية التي فرضت عليها الظروف الاقتصادية البقاء في المدرسة العمومية تنظر إلى أن عدم تدريس أبنائها بالغات ألأجنبية  هو نوع من الحيف والإقصاء المزدوجين .لذا لابد من إخراج نقاش اللغة من دائرة التجاذب المصلحي – السياسي وفتحه على ممكنات البحث ومآلات التلميذ/ة والأسرة المغربية بهم وطني شامل وليس بمنطق الدكاكين الانتخابية .من جهة والالتفات إلى الأعطاب الحقيقية للمدرسة المغربية على مستوى المدخلات والعمليات ثم المخرجات لأن ما يحصل فعلا يعتبر جريمة في حق الوطن من جهة أخرى  .

;