السبت، 7 مايو 2016

محمد البرهمي يؤرخ لتدريسية اللغة العربية





عبد الرحيم الضاقية
    تعززت المكتبة التربوية المغربية بإصدار ذ. محمد البرهمي لكتاب "تدريسية اللغة العربية في المدرسة المغربية : التراكم والتحولات من 1951 إلى 2012 " في جزئين . وبهذه المساهمة يقتحم البرهمي مجالا جنينيا ضمن الدراسات التربوية المغربية : تأريخ الممارسات والتصورات التربوية على مستويات الفعل داخل الأقسام الدراسية ، هذا المنحى عرف ويعرف تطورا على مستوى الدراسات الأجنبية تحت تأثير تيارات البحث الإبستمولوجي المتقدم ، لكنه عندنا لازال مقتصرا على بعض المحاولات الخجولة . وقد أعلن الباحث منذ البداية سعيه إلى اقتحام الموضوع من مداخل متعددة منها المقاربات البيداغوجية العامة ، والإجراءات المسطرية التنظيمية الخاصة بمادة اللغة العربية  في السلك الثانوي عبر اقتفاء أثر التوجيهات التربوية والمساحات الزمنية المخصصة لها ... وقد خرج من كل ذلك بمؤشرات لقراءة فاحصة يتداخل فيها المعرفي والسياسي والإيديولوجي والإداري. وبما أنه يعالج موضوعا ذا تاريخ فقد رأى ذ البرهمي  أنه من الواجب كتابة هذا التاريخ، لإبراز التحولات التي طرأت على مفاهيم تعليم اللغة العربية  بالمؤسسات  التعليمية بعد الاستقلال، وأثر هذه المفاهيم في إقدار المتعلم/ة على كفايات "القراءة" و"الكتابة"و"التحدّث". فضلا عن ذلك فإن أي تدخل تربوي يسعى إلى تطوير تعلم اللغة العربية، لا يمكنه أن يتم إلا بعد فهم سليم لتاريخ تعليمها، وما عرفته من تحولات على صعيدي التوجيهات والممارسة، لأن تاريخ تدريس المادة التعليمية جزء لا يتجزأ من المادة نفسها؛  بل إن آثار هذا التاريخ ونتائجه ما زالت مستمرة إلى اليوم. وقد أثث الأستاذ الباحث  تاريخ تدريسية اللغة العربية  بقراءة  للتوجيهات  التربوية  وللكتب المدرسية  المقررة وما تتضمنه من أهداف المواد المقررة وموضوعاتها، وعلاقة هذه التوجيهات بباقي مكوِّنات وحدة اللغة العربية في العـقود الست الأخيرة من تاريخ المغرب المعاصر.وبذلك وقف على حدود الانفصال والاتصال مع باقي المواد المحايثة لهذه الوحدة . وعلى شاكلة الباحثين الكبار دخل ذ البرهمي هذه المغامرة التأليفية بأسئلة راجيا أن يجد لها أجوبة بعد نهاية البحث وإذا به يخرج منها بإشكاليات أكبر من قبيل  :إذا تم اعتبار أن تدريسية اللغات تتكون من قطبين هما: القطب اللساني، والقطب الأدبي. فإن على القطب الأول تدور   إشكاليات تربوية تتعلق بالنحو الذي يجب أن يكون موضوع تعليم وتعلم: أهو النحو الصريح أم هو النحو الضمني؟ النحو المعياري أم النحو الوصفي؟ النحو القديم أم النحو الحديث؟ نحو الجملة أم نحو النص؟ إلخ... وتدور على القطب الثاني إشكاليات تربوية يطرحها تدريس النصوص وكتابتها: أهي النصوص الشعرية أم هي النصوص النثرية؟ الأدبية أم الوظيفية؟ القصيرة أم الطويلة؟
ولعل سلاسة ودقة تحليل الأستاذ البرهمي نابعة من معاشرته هذا الموضوع لعدة عقود حيث شكل خبزه اليومي . إن هذا السفر في الزمن الذي يدعونا إليه في هذا الكتاب يعبر بنا التاريخ المعاصر للمغرب ويكشف لنا عن تاريخ تشكل العقليات على مدى ست عقود . ولعل للأستاذ الباحث شرعية ما للخوض في الموضوع بحكم ممارسته التدريس والتفتيش والتكوين والتأليف المدرسي ... في هذه المادة وبهذه اللغة لذلك فالقارئ سوف يحس أن هذا الصرح متين بالنظر والتجربة والهم التربوي الرائع الذي يجعل نصب عينيه صلاح وإصلاح المدرسة المغربية .                                     

;