* عبد
الرحيم الضاقية
لا يمكن تصور
أي تفكير في التنمية دون تأهيل العنصر البشري بوصفه فاعلا أساسيا في المجال المعيش
و المستقبلي . و على هذا الأساس يصبح التفكير في أدوات تمثل المجال ذو أهمية قصوى حيث تعتبر الخريطة
من أهم هذه الأدوات حيث تعتبر عاملا أساسيا لعناصر المجال . وقد ارتبط استعمال
الخريطة في المدرسة بمادة الجغرافيا رغم أنها تستعمل في ميادين مختلفة .. وعند
استقراء واقع تدريس الخريطة حاليا نجده تشوبه نواقص أدائية واضحة مما يؤثر على
تمثل المجال في المستقبل مما يطرح إعادة التفكير في دور الخريطة المدرسة في بناء
مفردات تربية مجالية تساهم في وضع أسس مواطنة إيجابية تساهم في التنمية . فما واقع
الممارسة الصفية في علاقة مع الخريطة ؟ وهل من بدائل ممكنة لتطوير الأداء ؟
أولا : الخريطة
المدرسة من التشخيص إلى التجاوز
تخضع
أي مادة دراسية لإجراءات بيداغوجية و ديداكتيكية تجعلها قابلة للتدريس فيما يسمى
نقلا ديداكتيكيا . نفس المسار تأخذه الخريطة حيث ليست أية خريطة قابلة للدخول
إلى قاعة الدرس دون مراعاة الفئة
المستهدفة من حيث السن والنضج ,وكذا المضامين
المحمولة والكفايات المستهدفة . إذن فالخريطة المدرسة لها مواصفات ومحددات
مضبوطة وعلى هذا النوع من الخرائط سنركز حديثنا. ويمكن تصنيف خرائط الجغرافيا إلى
:
1-
الخريطة
الحائطية:
هي العنصر
المميز لدرس الجغرافيا عن باقي الدروس فهي تحتل حيزا من الفضاء السبوري حيث تكمله
وتتفاعل معه. وتعتبر مبدئيا شرط وجوب بالنسبة لدرس الجغرافيا الذي يعتبر المكان
محوره إلا أننا نلاحظ الظواهر التالية :
· أن توزيع الخرائط الحائطية سواء الجاهزة أو الصماء غير
متكافئ فإذا كانت بعض المؤسسات لها رصيد خرائطي كافي بل زائد. فان اغلبها تعاني من
خصاص وخاصة الحديثة منها . هذا على مستوى الإعدادي والثانوي أما في الابتدائي
فحضورها يعد استثنائيا أو منعدما خاصة في مؤسسات العالم القروي بل ومنعدما في
المدارس الفرعية التي تعد في أمس الحاجة إليها.
· من حيث التعامل مع الخريطة كمورد مجالي نجد أنه في الأغلب الأعم تعيش ضمن منطق
الحضور / الغياب : فإذا حضر ت لا يبني بها الدرس بل يرجع إليها في إطار عمليات
عقلية بسيطة كالتوطين المكاني البسيط . و
ذلك راجع لعوامل الملائمة مع المضمون أو اختلاط المعطيات بها و كذا اكتضاض الأقسام
مما يجعل الاستفادة منها محدودة جدا. هذا إذا كانت خريطة جاهزة أما إن كانت صماء فالمجهود يكون
مضاعفا حيث يتعين إرفاقها بخرائط مطبوعة على دفاتر التلاميذ ثم الاشتغال الجماعي
عليها وهذه العمليات تؤدي إلى تقليص الحصة مما يخلق متاعب للمدرس الذي يجد نفسه
مطالبا بإنجاز المقرر في وقت محدد مما يجعله لا يكرر
التجربة رغم دورها البنائي التكويني . فبالإضافة إلى مطالبة التلاميذ للمدرس
بالمتن المكتوب في ارتباط مع أساليب
التقويم التي تخاطب الذاكرة فقط.
· على العموم يمكن تسجيل حضور نسبي للسند الخرائطي في
الإعدادي بالمقارنة مع الابتدائي الذي تقل فيه الخرائط كوسائل تعليمية لظروف
مرتبطة بعدم تواجدها . أما في التأهيلي نلاحظ احتشاما واضحا لاستعمال الخريطة
الحائطية نظرا لعامل السرعة في إنهاء المقرر وطبيعة الامتحان الأكاديمي .
2 - الخريطة في الكتاب المدرسي:
يعد الكتاب المدرسي لمادة الجغرافيا
كتابا للخرائط بدون منازع وتعد هذه الخرائط سندا أساسيا للحوار الصفي حيث غالبا ما
تنطلق منها الأسئلة لتعود إليها دون أن يحصل هناك اكتساب لمهارات التعامل
الكارتوغرافي الذي يساعد التلميذ على استخراج وربط وتحليل العناصر دون توجيه من
المدرس مما يحول العامل مع خرائط الكتاب المدرسي إلى نشاط محدود في الزمان والمكان . وقراءة أبجدية لمعطيات منفصلة عن بعضها البعض
مما يفوت فرصة التربية على الخريطة وتثير هذه الوضعية الملاحظات التالية :
· في المرحلة الابتدائية : يقدم الكتاب المدرسي – وبدون مقدمات –
الخريطة لتلميذ السنة الخامسة وهي السنة الأولى لمادة الاجتماعيات في الدرس الأول
لمادة التاريخ )ص4 ( وفي الدرس 6 لمادة
الجغرافيا (ص73 ).حيث يطلب منه التعامل مع الخريطة المستوفية لجميع الشروط( مقياس،
مفتاح، ترميز ... ) كما لو أن له علما مسبقا بها . مع أن الخريطة هي
بناء رمزي يستعمل لغة مجردة تكون صعبة حتى على المتخصصين (André, 1980,p36)
وبالأحرى تلميذ لم يسبق له أن أخذ درسا حول ماهية الخريطة وأدواتها . إذن
منذ البداية نخلق لدى التلميذ فارقا ببينه وبين شيء مجهول لديه يمارس عليه التحدي
.
·
خلال مرحلة
الإعدادي : تحصل نقلة
نوعية في التعامل مع الخريطة ككم أي لكل درس خريطة إلى درجة التخمة مما يطرح التعامل
معها في حصة زمنية محددة . فدرس "بلدان النيل" في مقرر السنة السابعة
أساسي (الأولى إعدادي) يحتوي على 7 خرائط مما يعقد مهمة الأستاذ والتلاميذ . حيث
أن كل خريطة تعالج نقطة واحدة من الدرس(الجريان المائي- التساقطات – السكان –
المواصلات...) هذا النموذج معمم على كل دروس الجغرافيا في الإعدادي مع أن الدرس
ليس فقط تعاملا مع الخريطة بل هو معطيات معرفية وتحليل لعوامل أخرى (صور- جداول –
مبيانات...) تحدث خلال هذا السلك مفارقة كبرى حيث أنه مقابل هذا التواجد المكثف
للخريطة في الكتاب المدرسي ضعف تعامل التلاميذ مع معطيات الخريطة حيث يتحاشونها
أثناء إجراء الفروض الكتابية أو الامتحان الموحد . وقد يعود ذلك لعدم تمكنهم من
العدة اللازمة لفك رموزها واستعمالها كأداة للمعرفة الجغرافية سبب التعامل السطحي
الغير المبني معها أثناء الدروس .
·
هذه المفارقات
والعلاقة المتوترة تنتقل إلى الثانوي (التأهيلي) حيث رغم كثافة الخريطة في
الكتاب المدرسي .فان هاجس الامتحان الدوري يجعل التلاميذ يفضلون ترجمة مضامين
الخرائط إلى متون لفظية قابلة للإملاء خلال الحصة الدراسية ثم قابلة إما للاستنساخ
لممارسة الغش أو الحفظ عن ظهر قلب في أحسن الأحول . مما يجعل المعطيات المجالية
مفككة لا رابط بينها حيث يتم التخلص منها بمجرد الخروج من قاعة الامتحان.
3- الخريطة في دفتر التلميذ:
يعتبر دفتر التلميذ وثيقة بالغة
الأهمية في رصد مساره وكذا يعتبر مرآة تعكس الممارسة الصفية و الاصفية ، كما يعتبر
ديوان الأثر المخطوط لرصد الصيغة النهائية للمعرفة المدرسة. و يتميز دفتر الجغرفيا
عن باقي الدفاتر لكونه يحتوي على المتن المكتوب و كذا على أشكال تخطيطية أخرى أخذت من وقت وجهد التلميذ الشيء الكثير . و عليه فنظرة خاطفة على هذا الدفترالوقت يمكن أن تمدنا بمؤشرات دالة يمكن
تلخيصها في :
أ – إذا كان تلميذ الإعدادي و الثانوي
يتوفر على دفتر خاص بمادة الاجتماعيات له مواصفات معروفة فان تلاميذ الابتدائي
يكتفون بدفتر واحد توجد فيه كل مواد مكون اللغة العربية . مما يقلص من فعالية السند الكتابي للمادة ويهمشها. و عند التأمل في
بعض النماذج نجد بعض المدرسين يكلفون
التلاميذ في السنة الخامسة أو السادسة برسم ، أي بإعادة نسخ ، خرائط الكتاب
المدرسي . وإن كانت نيتهم سليمة تحيل على التعود على رسم خرائط . فإننا مع ذلك
نعتبر أن هذا الإجراء لا جدوى منه بحيث هو عبارة عن نسخ بنية ذهنية غير مفهومة أي عبارة عن طلاسم إلى دفتر التلميذ
حيث أن التلاميذ لا يتوانون من إعادة رسم الرموز و المقياس و الإحداثيات دون أن يعرفوا معناها و لا مبناها . و هذا نوع
من العنف الرمزي.
ب- في الإعدادي تعد مرحلة أساسية
لتواجد الخريطة في دفتر التلميذ سواء
كاستنساخ بواسطة الورق الشفاف أو عبر
الآلة أو بواسطة طريقة المربعات أو على شكل طوابع مطاطية .. ألا أن هده الأنشطة عل
أهميتها لا تغدو أن تكون عملية تطريزية سطحية تعيد إنتاج خطوط من مختلف الأشكال و
الأحجام حيث لا يميز التلميذ أحيانا بين خط الساحل و مجرى وادي و خط طرقي ليختلط الأمر . لأن المهم
بالنسبة للمؤسسة هو تواجد الخريطة في دفتر التلميذ كي تبرا ذمتها . أما بالنسبة
لما يمكن أن تقوم به الخريطة من دور لتحليل المجال و تمثله فذاك يبقى في الغالب في
حكم المؤجل.
ج- تتطور العلاقات المتوترة مع الخريطة
خلال مرحلة التأهيلي ( الثانوي ) حيث يصبح الهاجس لدى المدرس هو إنهاء مقرر الدورة
و تسجيله في دفتر النصوص لتبرئة ذمته مما
يمكن أن يحدث !! و يصبح الاشتغال على
الخريطة" ضياع للوقت " فالتلاميذ يفضلون ترجمة مضامين الخريطة كي يسجلوها في دفاترهم . و عند كل
تعاقد حول مواضيع الفروض المحروسة يطلبون
من الأساتذة عدم إدراج الخرائط في هذه
الفروض هذا الأمر ليس عاما بل في الأغلب الأعم يتم الأمر على هذا النحو . و قد
انتقلت عدوى عدم إدراج في الفروض المحروسة
إلى لجان الامتحان بالاكاديميات الجهوية .
حيث أن المحاولات السابقة أدت إلي
انفضاح المستور حين ثم توطين طنجة وسط
المحيط الأطلسي ؟ و ورززات على الساحل
ومناطق إنتاج الفوسفاط في جبال الريف؟ ؟
4- الخريطة ضمن ايكولوجيا المؤسسة
التعليمية :
الخريطة عنصر أساسي قي تجهيز المؤسسات
التعليمية حيث نعتبر أحيانا شرط وجود هذا التجهيز بالإضافة إلى الوسائل الأخرى . و
تتساوى في هذا الأمر المؤسسات الإبتدائية و الإعدادية و الثانوية رغم ملاحظتنا
التفاوت واضح في توزيع الخرائط على المؤسسات . و يمكن رصد طبيعة احتلال الخريطة
لفضاء المؤسسات التعليمية من خلال المتغيرات التالية :
·
الحضور و
الغياب : هناك مفارقة
تعيشها كثير من المؤسسات حيث نجد أن بعضها يعرف تخمة من حيث الرصيد الخرائطي بل
توجد بها خرائط باللغتين العربية و الفرنسية . و من السهل الوصول إلى أن هذه
مؤسسات قديمة و هي تحظى بالتزويد في كل مناسبة دون الرجوع إلى الحاجيات الحقيقة و
مستوى الاستعمال في علاقة مع تقلص أو زيادة التلاميذ . في مقابل هذا الوضع توجد
مؤسسات حديثة توجد فيها خرائط تعد على رؤوس الأصابع الواحدة أو تنعدم بالمرة . هذا
في الإعدادي والثانوي أما الابتدائي
فالخرائط - إن وجدت- تخزن بمكتب المدير الذي يوجد طبعا في المدرسة المركزية ، أما
المدارس الفرعية فإذا لم يبدل المعلم مجهودا استثنائيا لإحضارها ، أي بقطع المسافات ، فإن التلاميذ
تبقى الخريطة الحائطية عندهم جزءا من الخيال. ونظرا لتعقد مسطرة تسليم هذه الخرائط
من يد إلى يد بالإضافة إلى الوضع الأمني في الكثير من الفرعيات فإن أغلب المعلمين
يتحاشون ما يمكن أن يسبب لهم تحمل مسؤولية الخريطة من مشاكل إضافة إلى معاناتهم
اليومية.
·
حدود مستويات
الاستعمال :ارتباطا بالنقطة الأولى فإن مستويات استعمال
الخرائط تتحدد من خلال عوامل مختلفة مرتبطة أساسا بقرار المدرس استضافة الفضاء
الخرائطي لقاعة الدرس. حيث هناك من المدرسين من يعتبر عدم استقامة درس للاجتماعيات عموما دون وجود خريطة حيث
يعتبرها شرط وجوب. لكن هناك من يعتبر الخريطة ضيفا ثقيلا يفرض عليه إحضارها و
إرجاعها إلى مكان الحفظ في وقت يبقى همه التخلص في أقصى سرعة ممكنة من الحصة و
التلاميذ . و هناك يحضر الخريطة فقط أثناء حصة المراقبة لكي لا يلاحظ علبه عدم
استعمال هذه الوسيلة لكن عدم وجود مكان للخريطة في خطاب الأستاذ و عيون التلاميذ
سرعان ما يظهر أن هذه الوثيقة أقحمت إقحاما تعسفيا المراد منه الاستعراض فقط. إلا
أن حضور أو غياب الخريطة يرتبط كذلك بالمنهاج نفسه و ضمنه آليات التقويم و كذلك
بالمتلقين مما يجعل التساؤل مشروعا حول حق التلاميذ في المطالبة بالخريطة كحق في
المعرفة ضمن الحقوق الأخرى و هنا يتحول مصدر القرار من المركز إلى القاعدة.
·
الخريطة بين
الأيدي:للخريطة قيمة علمية و مادية لا تخفى على أحد لذا وجب حفظ
التصرف فيها عبر تأمينها من عبث العابثين .. هذا الحفظ قد يتخذ أشكالا مبالغا فيها
و يصبح حرمانا من الاستفادة منها .. مثلا في الابتدائي تسلم الخريطة أو الخرائط
للمدير في النيابة عبر إجراء قانوني لكن هذا الإجراء يكبل أيدي المستفيدين حيث يصبح هم المدير هو حفظها في مكان آمن من
الأيدي و كذا من العيون مما يؤدي إلى انقلاب الهاجس التربوي إلى هاجس أمني ينتهي
بانتهاء مهمة المدير من المؤسسة و تسليمها إلى المدير الجديد مقابل محضر رسمي وتنتقل الخريطة من يد إلى يد دون أن تصل عيون المتطلعين للمعرفة !!
أما في الإعدادي و الثانوي فالجاري به
العمل هو وجود مخدع لهذه الأدوات بما فيها الخرائط.إلا أن هذا المخدع يطرح مشاكل
عدة : منها مكانه و علاقة ذلك بالقاعات التي تدرس فيها مادة الاجتماعيات . و كذلك
مشكل ضيق فضاء الإعدايات و الثانويات مما يؤدي إلى تحويله إلي مكتب إداري أو
مستودع خاص . مما يؤدي إلى الحكم على الخريطة بالترحال التعسفي بين القاعات و
المكاتب ويترتب عن الوضع
الإتلاف أو الضياع . و هو ضياع للمال العمومي أولا و حرمان للأجيال من
المعرفة .
5 – مقدمات من
أجل بديل :
نلاحظ من خلال التشخيص أعلاه أن
الخريطة كائن تائه في المجال المؤسسي و في التصورات و البنيات الذهنية للممارسين،
و هو دائم البحث عن مسوغ قانوني لوجوده و تنقله . مما يطرح مسؤولية اقتراح خطة
لمحاولة إعادة الاعتبار لهذا الكائن / البوصلة داخل فضاء المؤسسة و ضمن العلاقات
الإنسانية بها . و يمكن اقتراح البدائل الأولية التالية:
أ -
إعادة النظر في منهاج الجغرافيا من أجل تجاوز المتن اللفظي ينشغل بكثافة الاخبارات
و حضور الوصف الموسوعي في إطار استراتيجية التعداد ( المريني ، 1997 ، ص 95) الذي
يخاطب الذاكرة إلى استحضار أدوات البناء الخرائطي المجالي للدروس مما يمنحها مكانا
و موقعا في الحياة الإنسانية المعيشية.
ب -
وجوب تخصيص حيز زمني للاشتغال على الخرائط من اجل فك رموزها و تركيبها عبر خطة
متدرجة تحيل على المستوى الإدراكي للفئة العمرية المستهدفة.
ج - اعتبار الخريطة أداة رئيسية في تقويم درس الجغرافيا . و وجوب حضورها كمكون
دائم ضمن المكونات الأخرى كي تعطي الأهمية على مستوى التدريس و التقويم .
د-
تحديد مهام مختلف أشكال الخرائط ككائنات مساهمة في تكوين التلميذ سواء تعلق الأمر
بالخريطة الحائطية أو في الكتاب المدرسي
أو في دفتر التلميذ بشكل يحدث التكامل في بناء الخطة الديداكتيكية بناءا على تصور
مسبق و مبني على حجج تستمد منطقها من المنهاج ككل.
هـ -
الالتفات إلى مدى الاستفادة الحاصلة لدى المتعلمين حين تكون الخرائط محفوظة في مكان يرتاح له التلاميذ و المدرسون. و تنمية
حق التلميذ في المعرفة الجغرافية عبر حوامل كارتوغرافية بوصفها أساسية في فهم تمفصلات المجال . و كذا لاعتبار الخريطة أداة
أساسية في الحياة اليومية للأفراد و الجماعات عبر الاستعمالات المتعدة في السفر أو
البحث عن مكان ما أو في الإغاثة...
و –
إبداع أشكال جديدة للتعامل مع خرائط مبسطة لتجاوز التحدي الذي تمارسه الخرائط
العادية الحائطية أو ضمن الكتاب المدرسي
عبر المعالجة المندمجة للجغرافيا كقوانين
عامة للمجال يمكن تحويلها إلى أهداف و كفايات ديداكتيكية حيث تصبح الجغرافيا تربية
مجالية تساهم في بناء اختيارات صائبة دون كلفة ذهنية مرتفعة تنال من المتعلمين و
قدراتهم ( المريني 19 ص 55 ) ويمكن اعتبار الخريطة رافعة لهذه التحدي.
ثانيا : الخريطة
المبسطة بناء لتدريسية الجغرافيا
تتجه الأبحاث
الديداكتيكية الحديثة إلى تمكين المتعلم
من اتخاذ قراره بنفسه. ثم إعطاؤه حق الاختبار المتعدد كي يبنى آلية الرغبة لبناء
مشروع شخصي نابع من كينونته و تمثلاته و تصوره
الذاتي للمستقبل . وعليه فإن الخريطة ككائن يعيش مع التلميذ في فضاء
المدرسة لابد و أن نمكنه منه أولا كي يفعل به ما يشاء وذلك ببناء خطة بيداغوجية
تنتقل فيها الخريطة من يد المدرس و المؤسسة
( الكتاب المدرسي ..) الى يد
التلميذ كي يستعملها كأداة للتواصل مع ذاته أولا ثم مع الآخرين .
1-
التدرج في
التعامل مع الخريطة :
التعبير
الخرائطي منظومة رموز تسيرها قواعد صارمة تتميز بالقدرة العالية على اختزال
المعلومات والمعطيات وتنظيمها (المريني،1997،ص60) وعليه فان العدة الرمزية
اللالفظية تكون حاضرة بقوة لذا وجب إعطاء
الفرصة للمبتدئين للمعاشرة والاستئناس اعتمادا على المستوى الإدراكي للتلاميذ . وهنا سنحاول رسم المعالم العامة
لهذا التعامل من خلال ثلاث محطات تتساوق مع ثلاث مستويات التعليم العام.
أ
- في الابتدائي :
من المحبذ أن لا تقدم خرائط جاهزة
برموزها ولغتها المجردة إلى التلاميذ كما هو حاصل الآن . بل من الأفضل الانتقال
التدريجي من المحسوس إلى المجرد وذلك
بمحاولة رسم تصاميم مبسطة لأماكن مألوفة (القسم- المدرسة- المنزل...) والاقتصار
على فكرة كرتوغرافية واحدة . ثم في مستوى آخر الانتقال إلى مساحات أكبر كالحي ، مع
تطوير مهارة التحكم في المقياس وبداية استعمال بعض الرموز السهلة الإدراك ثم جمعها
في مفتاح . وتقترح الأبحاث نقل صور ومعالم المناظر الطبيعية أو البشرية أو
الحضارية إلى رسوم تبسيطية تحتوي على حد أدنى من عناصر المجال كمدخل أساسي لاعتبار
الخريطة تقوم أصلا بهذا الدور (Masson,1994,p33) . وعند التأكد من استيعاب هذه المهارات تقدم الخريطة الخاصة بالمغرب كجزء من الهوية
المجالية
خلال السنة
الأخيرة من التعليم الابتدائي مع بداية استعمال التوطينات واستعمال الرموز
المساحية للاستجابة لرغبة التلاميذ في التلوين وملئ الفراغات لكن عبر قواعد
كارتوغرافية.
ب - في
الإعدادي :
يكون التلميذ خلال هذه الفترة قد تجاوز
مرحلة الانغلاق على الذات وحدث لديه نضج عقلي يستطيع معه الانتقال بيسر من المحسوس
إلى المجرد إذ داك فقط تصبح إمكانيات بناء التعبير الخرائطي على الأسس السابقة ذات
جدوى حيث يمكن اتباع الخطوات التالية :
·
تقديم وتوطين
الخريطة موضوع الدراسة ضمن مجموعة أكبر مثلا ضمن قارة أو مجموعة .
·
توضيح
الاسقاطات المختلفة للخريطة بالاستعانة بالكرة الأرضية.
·
الاستعمال
الجيد لكل أنواع المقياس وكشف دوره في إظهار أو إخفاء الظواهر.
·
ترك الحرية
للتلميذ عند رسم خريطة لاختيار الرموز سواء الموضعية أو الخطية أو المساحية كي يرى
فيها ذاته.
·
محاولة أولية
للتفسير انطلاقا من الخريطة لطرح سؤال لماذا هنا؟
وليس هنا؟
·
تدريب
التلاميذ على رسم خرائط مبسطة ذات إحالات هندسية مألوفة (مربع- مستطيل- دائرة-
اهليلج...). (clarys all,1987,p31 )
ج- في المرحلة التأهيلية :
تصبح الخريطة بناء على ما سبق أداة أساسية لا محيد عنها في كل مقاربة
مجالية حيث تغدو وعاءا لاختزال التفكير الجغرافي كإطارات نظرية تبنى عليها
الاستنتاجات والتفسيرات الممكنة والمفترضة وذلك عبر :
·
دمج مفاهيم الشكل- التوطين- الحركة من أجل نموذج جغرافي يساعد في تفسير
الأحداث والظواهر الجغرافية المختلفة على الخريطة . (المريني 1997، ص62)
·
بناء استراتيجيات القراءة الكارتوغرافية عبر آليات الاستنتاج والمقارنة
والتأويل من أجل إنتاج متن لفظي ، ثم نقل متن لفظي إلى لغة خرائطية تعكس الحركة أو
الصراع أو التوتر المجالي من خلال ترميز خاص.
·
إمكانية تركيب مفردات المجال بدون تمييز بين الطبيعي والبشري للوصول إلى
نماذج وتعليمات قابلة للتطبيق في أماكن أخرى للانتقال من جغرافية الخصوصيات إلى
جغرافية النماذج.
بهذا التدرج –الغير ميكانيكي بالطبع- تكون الخريطة قد قطعت أشواطا هامة
للوصول إلى المتلقي الذي سيمنحها شهادة إقامة في ذهنه مما يجعله يستعملها في إطار
التفسير والتأويل والبناء النظري الجغرافي وكذا في حياته اليومية .
2-
الخريطة من التعقيد إلى التبسيط :
أثبتت الدراسات أن التلاميذ لا يتذكرون من الخرائط والأشكال الكارتوغرافية
المدروسة إلا الأشكال المبسطة كالحذاء الايطالي والمثلث الهندي والمربع
الايبيري...
أما الجزر فكلها تتمثل على شكل دائرة أو اهليلج . أثبتت الأبحاث كذلك أن
الأشكال البالغة التعقيد ما هي في الأصل إلا أشكال مبسطة إما مثلثات أو مربعات أو
مضلعاتColmez,1993,p48) ( . ما المانع من تحويل الخرائط- كل
الخرائط- إلى أشكال هندسية مبسطة ولن يحتاج التلميذ لرسمها إلا قلما و مسطرة؟ ما
المهم في الخريطة شكلها الخارجي ،وحدودها أو مضمونها ؟ ثم هل كل الخرائط صحيحة 100%؟ أم أنها
أشكال مبسطة فيها نسبة ما من التشويه ؟هذه التساؤلات تؤدي بنا فعلا إلى إعادة
النظر في جدوى الخريطة وعلاقة ذلك بفكرة التبسيط والتعقيد وكذا مفهوم العائق في
الميدان البيداغوجي .
على ضوء هذا النقاش الابستمولوجي والديداكتيكي ثم استلهام نموذج Brunet عبر تبني خطته الاقتراحية من أجل
رسم خرائط مبسطة تعتمد على مراحل، لبناء هذا النوع من التعبير الخرائطي :
أ-
الاستنساخ Calquage : نسخ خريطة على ورق شفاف.
ب- تعميم
généralisation: حذف التفاصيل الدقيقة .
ج- تشذيبLissage : تحويل الخريطة إلى أشكال
ترسم بالمسطرة .
د- د-تبسيط
وتصفية : أي تبسيط وتصفية : أي تحيل
الخريطة إلى شكل هندسي .
هـ - هندسة Géométrisation = تحويلها إلى شكل هندسي مبسط( مستطيل. مربع....)
على ضوء هذه
الخطة ينتفي هاجس الخريطة / اللوحة التشكيلية لتصبح الخريطة وظيفية تمرر خطابا و
تفتح آفاق السؤال الجغرافي – المجالي. و انطلاقا من نفس التصور يمكن استعمال خرائط نماذجية تنطلق من قوانين عامة تحكم
المجال يمكن التعبير عنها بالبنيات المبسطة
Brunet, 1994,p 105) ( التي توفر مفاتيح القراءة و
التفسير و تبرز الاتجاهات الكبرى لقوانين المجال ( الجذب – التأثير –
الدينامية - التراجع...) وكذا علاقات
الأفراد و الجماعات بالمجال ( التملك – التدبير – الاتصال – الصراع ...) و كذا
خصوصيات المجال ( منطقة اتصال – انقطاع – تقاطب – جسر – حوض ..)
و مهما تكن
نتائج النقاش الدائر حاليا حول جدوى هذه المقاربة فإن تطور وسائل الإعلام و
الاتصال قد ساهمت القفز بها إلى فضاءات
أوسع : لأن هذه اللغة المبسطة المعتمدة على ايقونات سهلة هي المعتمدة في الشبكة العنكبوتية. و يمكن
اعتبار التبسيط بوابة أساسية للخروج بالجغرافيا من مادة الإخبارات الموسوعية حول البلدان كل واحد على حدة إلى جغرافية نماذج
تفيسرية نسقية.
تلك كانت
محاولة تشخيص جزئي للممارسة الصفية في
علاقتها بالخريطة ثم اقتراح بدائل ديداكتيكية قد تغير من وظيفة و مكانة الخريطة من
جزء من تأثيث و تزيين حصة الجغرافيا إلى أداة للفعل المجالي في إطار تربية مجالية
للفاعلين المستقبليين .
·
مفتش التعليم
الثانوي – ورزازات – زاكورة
المـراجــــــــــع
v المريني ، أمينة ،
النهج الجغـــــــرافي في المدرســــة ،1997، الرباط.
v شلبي، أ - ب ، تدريس الجغرافيا في مراحل
التعليم العام ، 1997، القاهرة.
v Clary et
all, 1987 , cartes models a l’école ,
Paris.
v Masson ,
M, 1994, vous avez dit géographie , ? Masson
v André ,
y, 1980 l’expression graphique , Masson .
v Brunet et
all ,1994 , les mots de la géographie. Reclus.
v Colmez et
all , « le vu et le su dans l'évolution de dessin de pyramides du CE 2 a la seconde »
In Espaces graphique et
graphisme d’espaces , 1993, la pensée sauvage
Paris.