عبد
الرحيم الضاقية(*)
طفت على السطح بحدة
هذه الأيام موضوعة الزمن المدرسي كرأسمال يتعين الحفاظ عليه من الضياع وقد ناقشته
مختلف الأطراف من وجهة نظرها الخاصة ، ليبقى المرتفق / التلميذ/ة غائبا أو مغيبا
عن النقاش . صحيح أن المنظومة عرفت تجارب في تدبير الزمن المدرسي الضائع بمناسبة الكوارث
الطبيعية ( زلزال الحسيمة – فيضان الغرب أحداث محاية طارئة ..) إلا أنه في الآونة
الأخيرة وبعد أزمة التوقيت الصيفي المستمر أصبح المعنيون/ات المباشرون يسمعون
صوتهم/ن عبر التعبير عن مواقف واضحة من توقيت الدخول والخروج وطريقة تدبير الأمر .
هنا تطرح مجموعة من الأسئلة على المنظومة التربوية من قبيل : أي جهة يمكن اعتبارها
حارسا أمينا عن الزمن المدرسي في مطلقه ؟ ألا يحق للمجتمع وضع ميثاق أخلاقي بعدم
المساس بحق المدرسة في زمنها الخاص ؟ ما هي الآليات المتحكمة في الزمن المدرسي في
علاقته بالإيقاعات البيولوجية والمجتمعية ؟ إلى أي حد يمن اعتبار الزمن المدرسي
مجالا للدراسات والأبحاث المتعددة التخصصات ؟
1 ـ إيقاع الزمن
المدرسي :
تشغل المدرسة ضمن نظام زمني محكم ثم تطويره وتعديله على مدى
زمني طويل بناء على تطور المنظومة وحاجات المجتمع وتأسس على إيقاع معين، والإيقاعrythme من الجذر rheo الذي
يعني انسياب الزمن ضمن بنية معينة. ويؤكد العالم باشلار أن المادة بجميع أشكالها
تخضع لإيقاع معين، ويعتبر أن " إيقاع المادة طاقة للوجود" وبها تسير .
وتذهب أبحاث الفيزياء الموجية physique ondulatoire إلى أن الإيقاع يسير وفق ثنائية اللحظات:
لحظات
ارتفاع : قوة / ولحظات انخفاض / ارتخاء. ونجد هذه اللحظات ضمن الإيقاعات المرتبطة
بالمدرسة حيث يؤكد علم تحليل الإيقاعاتrythmanalyse على نوع من (التنفس المدرسي) فالشهيق يحيل على
النشاط والتعلم بينما الزفير على لحظات الاستراحة والارتخاء أ والعطلة.
وكلما حصل خلل في هذه الإيقاعات إلا وحل الإجهاد وتسرب التعب على الجسد والنفس . لذا فالموضوع له أهمية قصوى نظرا لتداخل عناصره
مع المكونات العضوية الجسمية ، والنفسية الروحية ثم المجتمعية بشكل أشمل.
وقد اتجه
الإصلاح التربوي إلى موضوعة الإيقاعات
المدرسية ضمن ورش الرفع من الجودة حيث أكد الميثاق في مجاله الثالث على
ضرورة مراجعة البرامج والمناهج وربطها بالجداول
الزمنية والإيقاعات المدرسية وثم تدقيق التوجهات العامة في إطار الملتقى
الوطني حول الحياة المدرسية (18 دجنبر2001) والذي قدم فيه دليل الحياة المدرسية
الذي خصص حيزا هاما لتدبير الإيقاعات
المدرسية عبر مرحلتين (السنة الدراسية و الأسبوع التربوي). وأستمر النقاش في
الموضوع ضمن منتديات الإصلاح ليتوج بالمنتدى الوطني للإصلاح ( يوليوز 2005) الذي دقق وثيقة الدليل الحياة المدرسية لتصدر
مطبوعة في يوليوز 2008 وتعميم على كافة المؤسسات. وقد وعت الخطة الاستعجالية بالاختلالات التي
طبعت الأجرة فأكدت على إعادة توزيع الغلاف الزمني في اتجاه تحقيق خطة تدريس المواد
في اتجاه تعزيز تواجد مواد التفتح والدعم والأنشطة مع الاتجاه نحو الجهوية في
تدبير الزمن المدرسي.وخصصت الرؤية الإستراتيجية حيزا معتبرا لتدبير الإيقاعات
الزمنية ضمن الرافعة 12 من خلال التنصيص على إعادة النظر في الإيقاعات الزمنية
وتدبير الزمن المدرسي والتخفيف من كثافة
البرامج ، ثم إدماج أنشطة الحياة المدرسية
في صلب المنهاج التعليمي إسوة بالدعم المؤسسي . كما أو صت الرؤية بإحداث
نقلة نوعية في الملائمة بين الزمن المدرسي ومحيط المدرسة عبر تكييفه مع الوضعيات
الخاصة والظروف الصعبة التي تعيشها بعض المناطق النائية ( المجلس الأعلى ، ص 36 )
يبدو لنا
أن النقاش حول المفهوم سوف يبقى مستمرا نظرا للعلاقة الملتبسة للانسان مع الزمن
كمعطى موضوعي وكذا كلحظات ذاتية تدبر وفق رؤيا
ثقافية حسب اختلاف الأزمنة والأمكنة. كما أن محاولة ربط الزمن المدرسي بزمن الحياة
بصفة عامة يخلق كثيرا من التناقضات على مستوى احتلال الاحياز والمساحات. وتؤكد
الدراسات في علم الوثائر الحيويةchronobiologie وعلم الوثائر النفسية chronpsychologie أن الإيقاع المدرسي لا بد من بنائه وفق وحدات
منفصلة أولا ثم تركيبها بعد ذلك:
ـ وحدة
اليوم الدراسي: التي تبدأ من لحظة تناول عشاء
اليوم السابق ويطبعه نظام النصفين
(الصباح ومساء) ولكل منهما إيقاعه الخاص.وقد وقعت خلخلة هذه البنية مع دخول
التوقيت المستمر أو المسترسل إلى بعض الوحدات المدرسية وفي إطار التعليم الخصوصي
الذي كيف توقيته مع التوقيت الإداري .
_الأسبوع
الدراسي: وهو الوحدة الزمنية التي تنبني عليها استعمالات الزمن وتوزيع المواد
الدراسية وحجم الحصص وإيقاع المكونات المدرسية.فبواسطته نعرف أهمية مادة دراسية
معينة من خلال درجة ترددها ضمن استعمال الزمن .
_السنة
الدراسية:ويتم توزيعها نصفين (أسدوس) تتميز بتعيرات فصلية وإيقاعية (عطل
امتحانات...) مما يطرح موضوع التمايزات الجهوية بحدة .
2– التلميذ/ة وتدبير الزمن المدرسي :
ينتمي
مفهوم التدبير لعالم الاقتصاد والمقاولة وهو علم إدارة وتسيير الأعمال ويتأسس على
ردم الهوة، بين الإمكانيات المتاحة والممكن تعبئتها والحاجات الحقيقية أو
المفترضة.وعليه فهو يراهن على الربح دون نكران وجود الخسارة.
ويعتبر الزمن عبارة عن رأسمال في يد المتعلم/ة
ويطلب منه تدبيره في إطار مؤسسي أو خارجه. إذن نجد أن المتعلم/ة يشكل مساحة اتصال
وانفصال الزمن الشخصي الخاص به وزمن مرتبط بنظام قانوني مسطر في نصوص تنظيمية عبارة عن شبكة لاستعمال الزمن بل وتشكل هذه
المساحة مجال تجاذب وتوترات الزمنين لطبيعة التأثير والتأثر وكذا التفاعل بينهما.
ورغم وعينا بصعوبات الوقوف على ظواهر هذه العلاقات لا بأس من طرح بعض الأسئلة علها
تميط جزءا من غموض آليات تدبير الزمن.
نثير
الانتباه في البداية إلى أننا لا نراهن على بناء نموذج لتدبير الزمن الشخصي للمتعلم/ة
لأنه بكل بساطة مستحيل لتعدد ولا نهائية متغيراته. لكننا سوف نركز محاولتنا على
الهوامش القريبة من الزمن المدرسي وآثارها على الزمن المدرسي عبر مستويين:
المستوى
الأول: الزمن
المحيط بالزمن المدرسي Periscolaire.
المستوى الثاني: الزمن الخارج مدرسي Extrascolaire .
المستوى الثالث : الزمن المدرسي الفعلي Scolaire effectif
وهنا
لابد من توضيح التداخل الحاصل بين المستويات لكن يمكن تمييزها بدرجة القرب من الزمن المدرسي
فإذا كان الأول يشكل غشاءا محيطا بمحتويات أحداث الزمن المدرسي فإن الثاني يتخذ
بعدا واضحا من أحداثه ، أما الثالث قيعتبر من صميم الزمن المدرسي الفعلي والذي
يتميز بالوجود الجسدي للتلميذ/ة في رحاب المؤسسة التعليمية .
·
الزمن المحيط: Periscolaire:
يتكون
هذا الزمن من الهوامش الممتدة قبل أو بين أو بعد الزمن المدرسي النظامي. ورغم
اعتبارها زمنا خارج – مدرسي فإنها تدور في فلكه وتتأثر بأحداثه بشكل موجي متلاشي
باعتماد المسافة. وتبدو أهمية هذه الهوامش من تأثيراتها البالغة على الأداء داخل
الزمن المدرسي ويمكن أن نذكر نماذج أحداث هذه الهوامش من خلال ما يلي:
أ-التنقل:
يشكل
هاجسا رئيسيا بالنسبة للمدرسين/ات سواء في الحضري أو القروي وخاصة الشبه الحضري.
ففي الحضري أدت التوسعات المتتالية للمدن إلى ابتعاد أطرافها، بالإضافة إلى ضعف
البنيات المواكبة كالنقل الجماعي والطرق. أما العالم القروي والشبه الحضري فإن
الرحلات المكوكية من وإلى المؤسسات تشكل الخبز اليومي للمتمدرسين/ات. وقد أنخرط
المجتمع المدني والفاعلين المحليين في المراهنة على آلية النقل المدرسي الذي بدأت
أآثاره تبرز إحصائيا على نسب الهدر المدرسي خاصة في العالم القروي .
ب-التهييئ
:
تدخل في
هذه المساحة الزمنية كل الإجراءات التي يقوم بها المتمدرس/ة للاستعداد النفسي
والتنظيمي للعمل الفصلي. وكلما كان العمل يتم بمنهجية واحترام للمواعيد عبر نظام متساوق مع استعمال الزمن إلا
وكانت هذه المساحة الزمنية أكثر سهولة (Courau,
1995, p 13). ويعد إعداد الدروس والفروض من أهم أحداث ومكونات هذا الزمن. إلا
أن حيز هذا الزمن يختلف حسب مشروع المؤسسة وطريقة التعامل مع الجوانب التطبيقية
وممارسات المدرسين/ات ووعيهم/ن بجدوى هذه اللحظات .ويعد هذا الزمن
واستثماره علامة تجارية تراهن عليها المدرسة الخصوصية لتنويع عرضها التربوي وإقناع
الآباء بجودة خدماتها .
·
الزمن الخارج مدرسي:
نقصد به
ضمن هذا المستوى المساحات الزمنية الخاصة بالمتدرس/ة والبعيدة نسبيا عن زمن
المدرسة لكنها لا تبقى دون تأثير عليه. ويختلف تدبير الزمن حسب أعمار المتدرسين
وفئاتهم من خلال المشاريع الشخصية لكل واحد. وتدخل ضمن هذا المعطى المستويات
المعيشية للأسر ووعيها بهذا الزمن من خلال
الاستثمار فيه. ففي الأوساط الشعبية يحتضن الشارع والفضاءات القريبة من
السكن التلاميذ/ات ليمارسوا أنشطة متنوعة لكنها غير مكلفة ماديا ( رياضية – مواقع
التواصل الاجتماعي – النوادي – الجمعيات..) وقد أصبحت تغزوها في الآونة الأخيرة
شبكات إجرامية لترويج المخدرات والاستقطابات المختلفة. أما في الأوساط الأخرى فنجد
أن المستوى المادي هو الفيصل في تزجية الزمن خارج مدرسي سواء في النوادي الرياضية الجماعية أو الخاصة
أو في مدارس للدعم أو اللغات ...
·
الزمن
المدرسي :
تتحكم في الزمن المدرسي متغيرات قانونية تشريعية
مرتبطة بالتوقيت العام ثم بجرعات الزمن الإداري المتوافق عليه ضمن منظومة إدارية
وتنظيمية محكمة . وفي مستوى أدنى يعد استعمال الزمن هو الوثيقة التي تتحكم في متغير الإيقاع المدرسي الفعلي . ويبنى استعمال الزمن على إكراهات المواد
والعنصر البشري المؤطر وعدد التلاميذ/ات والفضاءات المتوفرة من أجل فرز حصص دراسية
خاصة بكل مادة دراسية .
وتذهب الأبحاث الديداكتيكية إلى التساؤل حول
العلاقات الممكنة بين الزمن المدرسي والتحصيل الدراسي الفعلي فنجد الباحث ميريو Meirieu
يفصل في الحصص الدراسية بين لحظات مختلفة :
-
لحظات
مدخلية
: وترتبط بعمليات تقديمية للدروس، وهي عبارة عن عتبات قد تسمى وضعيات
انطلاق أو مقدمات أو أشكال من التشخيص المفضي للدخول في الموضوع ..
-
لحظات
أنشطة : وتتميز بالدخول الفعلي لصلب
موضوع التعلم حسب المواد الدراسية حيث تختلف هذه الأنشطة بين التعامل مع النصوص أو
القواعد أو التمارين أو التجارب .
-
لحظات
ذاتية : وهي للحظات منفلتة من الرقابة
لكنها في صلب الزمن المدرسي ، قد تكون تفكيرا ذاتيا في موضوع التعلم باستحضار
التمثلاث مثلا ، أو تكون شرودا إراديا أو تواصلا مع الزملاء. ومن فضائل هذه
اللحظات وصم موضوعة التعلم بمسوح ذاتية قد تغني التجربة الذاتية للمتعلم/ة .
-
لحظات
استرداية تطبيقية : قد تكون بطلب من المدرس/ة –
المؤسسة ، أو قد تكون نابعة من إرادة ذاتية في إعادة بناء موضوع التعلم ( Meirieu , 1998 ,
scenario..p120 )
ولعل
المتبع لتدبير الزمن المدرسي يلاحظ أن هناك ارتجالا واضحا في التعامل معه حيث أنه
كلما حدث تغير وزير إلا وخاض حرب الزمن
المدرسي مع مكونات المنظومة لوضع بصمته على استعمالات الزمن . لان القرارات التي
تؤخذ لا تستند على دراسات رصينة و متعددة
الاختصاص مما يعفي المنظومة من توترات توجد في غنى عنها. إلا أن المؤكد أن الزمن
المدرسي يشكل رأسمالا غير قابل للتجديد حيث لا يمكن تدارك التمدرس بالنسبة
لتلميذ(ة) على مدى متوسط فأي ضياع يكون لا رجعة فيه.لأن بناء المناهج تم بطريقة
خطية تتماهى مع الزمن كما تتماهى معه الفصول . ومن الملاحظ أن هناك تبذيرا كبير لرأسمال
الزمن المدرسي . والملاحظ أن المجتمع يؤدي كثيرا من الفواتير بالزمن المدرسي الذي
أصبح ملكا مشاعا فبواسطته تتم جميع أشكال
الاحتجاجات ومظاهر الفرح وإثارة الانتباه لقضايا معينة... لذا فإن أي ورش يقفز على
الاستثمار في الزمن المدرسي للتلميذ (ة) يجعل
كافة أوراش الإصلاح الأخرى متعثرة.
(*) باحث في التربية والتكوين