عبد الرحيم الضاقية
يبدو
من الصعوبة رسم ملمح لحظي للمدرس فكل فرد منا يصنع صورة خاصة للمدرس/ة بناء على تمثلاته
الذهنية والاجتماعية وتاريخه الشخصي. بل أن حتى الأشخاص الذين لم يلجوا قط مؤسسة
تعليمية تحضر لديهم صورة ما للمدرس/ة. ولهذه الصورة القبلية آثار بالغة على المدرس
نفسه وعلى المجتمع كذلك. فما بين التبخيس الممنهج والإشادة المبالغ فيها يضيع
المدرس- الإنسان. في هذه الورقة سوف نحاول رسم ملمح ما لهذا الذي يحتفي به العالم
يوم 5 أكتوبر من كل سنة انطلاقا من الانسان ثم الموظف فالباحث والفنان وصاحب مشروع
.
1 -
المدرس الإنسان:
تطغى
في كثير من الأحيان صورة المهمة على كون المدرس مجرد إنسان، بكل خصائصه النفسية
وخلفيته التاريخية وكذا الوسط الذي ينتمي إليه والظرف الموضوعي الذي أفرزه. كثير
من الأبحاث والدراسات تهتم بالطفل والتلميذ والمراهق وقليلة هي تلك المهتمة بنفسية
المدرس ومخاوفه، وكذا هواجسه. حتى في
مؤسسات التكوين.
لا
يبدو هذا المنحى وارد مع أن أهميته تكمن
في الإمكانيات التي يتيحها لإعادة تشكيل
العلاقات بين المدرس وذاته ثم مع الآخرين.
لا
يخفى ثقل هذه المهمة خاصة عندما نتصور شابا تخرج للتو من الجامعة أو من أحد مراكز
تكوين المدرسين وعين في مكان ما بمؤسسة تعليمية. فهذه المهمة/الصورة تجعله داخل
قفص اجتماعي حيث ينتظر منه سلوكات وأقوال ووضعيات وتحرم عليه أو على الأرجح لا
تقبل منه أخرى مع أنه يعيش زمنه وسنه.
يضاف
إلى هذه الصورة وجوده المستمر أمام جماعة من الأطفال أو المراهقين والذين يرسمون
له يوميا ملمحا معينا اعتمادا على سلوكه
داخل القسم أو المؤسسة التي هي مكان لممارسة المهنة، بل ويعزز ذلك في بعض الفضاءات
بسلوكاته في الشارع العام أو في السوق مما يجعل المدرس فعلا محاصرا بالصورة التي
يضعها الآخرون اعتمادا على مرجعية معينة. وإجمالا فإن المدرس يصنع لنفسه صورة
وملمحا مع مرور الزمن وتأثير الوضع المهني
والاجتماعي فيتحول إلى نموذج من السلوك الخاص والتي يشتغل كحزام سلامة يحيط
به ويجعله يتحرك في إطار معين. بل ويتحول
هذا الوضع بالإضافة إلى عامل العزلة التي يعانيها المدرس داخل الفصل الدراسي أمام
جماعات مختلفة لها أنظمتها التواصلية الخاصة، إلى تطوير آليات دفاعية وقوالب جاهزة
يتعامل بها (Blanchard,
2001, p97).
إلا أن هذه الوضعيات تحتاج إلى دراسات ميدانية متعددة الاختصاص للتمكن فعلا من فصل
العناصر المكونة لهذا الملمح ولإجراء
حفريات داخل هذا المدرس الذي هو إنسان في البداية والنهاية.
2
- المدرس الموظف:
شاء
التطور التاريخي أن تضطلع بمهمة التدريس فئة من المجتمع وتصبح بحكم ذلك مرتبطة
بهذه المهمة فقط. وقد تكلفت الدولة ومازالت بهذه المهمة فأصبح بذلك المدرس موظفا
عموميا. والموظف العمومي حسب الظهير الخاص بالوظيفة العمومية هو "كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلك الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة" إذن
فالوظيفة تشترط وجود منصب شاغر واعتماد
مالي كحق للموظف وكذا خضوعه لإجراءات الترسيم في الوظيفة المنوطة به. ولم تقتصر
مهنة المدرس-الموظف على القطاع العام بل أدى الانفتاح إلى توظيف موظفين يدرسون في
القطاع الخاص. ومن شروط الوظيفة العمومية الجنسية المغربية والتمتع بكامل الحقوق
الوطنية، ومستوفيا الشروط التي
تتطلبها الوظيفة ومن أهمها بالنسبة للمدرس
المؤهلات المهنية والثقافية الخاصة
بمزاولة المهنة. (السكتاوي، 2001، ص
11)
وتخضع هذه الشروط للتطور حسب متطلبات
المهنة من حيث التخصص والكفايات الخاصة
والنابعة من المجتمع وحاجاته.
واعتبارا
لذلك، فإن المدرس بهذه الصفة يتمتع بحقوق وعليه واجبات أي أن له ضمانات تكفل له
القيام بالمهمة في هدوء واطمئنان واستقلالية وعلى الدولة أو المشغل أن يكفل ذلك.
وبالمقابل فهو ملزم بأداء الواجبات
والالتزامات القانونية والمهنية المنصوص
عليها في القانون المنظم أو في نص العقد. وعليه فللموظف حقوق عامة كالحق في
التفكير والتعبير والرأي والانتماء
السياسي والنقابي والترشح والتصويت.. ومن واجباته احترام سلطة الدولة وأداء
المهمة المنوطة به والقيام بالعمل بصفة شخصية
والالتحاق بمقر عمله فور تعيينه
وممارسته دون انقطاع والحفاظ على السر المهني. أما الحقوق الخاصة فتتمثل في الأجرة باعتبارها من أهم الحقوق.
وتخضع الأجرة في القطاع العام إلى ضوابط تحكمها شبكات ونقط استدلالية ورتب ودرجات
محددة، وتدخل ضمن الأجرة التعويضات المختلفة. أما في القطاع الخاص فإن عقد العمل
هو الذي يحدد هذا الجانب رغم أن المدرسين في هذا القطاع يشتكون من إجحاف في هذا
الباب. كما أن للمدرس في القطاع العام الحق في الترقية وضمن شروط محددة بواسطة
قوانين وضوابط تم التوافق بشأنها مع الشركاء الاجتماعيين وهي موضوع نقاش مستمر.
وكذلك الحق في الرخص والحركة الانتقالية والسكن والحماية الاجتماعية... (السكتاوي،
2001، ص 96 – 144).
إذن
فالمدرس بوصفه موظفاتتحدد هويته المهنية من خلال المهام التي يمارسها والإجراءات
المصاحبة لها وكذا الفضاءات والأزمنة الخاصة
بممارسة المهنة. ونجد أن المجتمع يراقب عمل المدرس بكل مكوناته عن طريق تمدرس
الأبناء الذين يحملون تقارير يومية عن عمل المدرس إلى أسرهم.
3 -
المدرس الباحث:
نتج عن انفجار المعرفة تغييرات كبيرة في مهمة
المدرس فبعد أن كان مصدر المعرفة بالنسبة للمتعلمين أصبحت أدواره تعرف تحولات كبرى
لازالت غير مستقرة. فالمدرس اجتمعت فيه خصائص العالم والمربي وهاتين المهمتين تجعلانه في بحث مستمر عن الطرق
والمسارب التي بإمكانها تسهيل مرور العلم
عبره كي يساهم في تربية النشئ، وإسهامه في بناء مواطن الغد (الضاقية،
2006، ص 64)
وعليه يبقى دور المدرس حاسما في نقل المعرفة القابلة للتدريس إلى معرفة مدرسة فعلا
أي على شكل منتوج نهائي خضع للنقل الديداكتيكي في مرحلته الأخيرة والحاسمة. فإذا
اعتبرنا أن البحث هو عملية فهم للموضوع (بوبكري،
1998، ص 98) فإننا سوف نقوم بتطبيق منهجية البحث على
حصة دراسية افتراضية: فالمدرس يفتح الحصة بناء على معرفة قبلية خاصة بالتلاميذ
فيبدأ في طرح الإشكالية المركزية ثم الفرعية اعتمادا على إطار نظري خاص بالمادة
الدراسية التي هي عبارة عن أسئلة حول المعرفة ومنهجية في المقاربة وليست مجموعة من
المعارف المحنطة.
بعد
طرح الإشكاليات تبدأ جماعة القسم والمدرس في وضع فرضيات وهي مسارات ممكنة أومتاحة
اعتمادا على وضعية موضوعية معينة وزاوية نظر تحكمها بالطبع. ثم يوجه المدرس
التلاميذ إلى مصادر المعرفة كالدعامات والوسائل لجمع البيانات أو مادة البحث
الخام. وكل تلميذ يقوم برحلة البحث هذه بتمثلاته الخاصة ورؤاه ومخاوفه ويقع في
أخطاء وهفوات تتيح له إعادة النظر أو تغيير الوجهة... وقد يجد المدرس مرافقا
موجها.. بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة التمحيص والمقابلة مع الذات أولا ثم مع
الآخرين وبناء على المرجعية العلمية التي يحرص المدرس على أن تكون إطارا ضابطا
وسندا يعطي الشرعية لنتائج البحث وقالبا من قوالب التقويم.
ثم
يخرج الجميع باستنتاجات
ونتائج أي فهم معين لظاهرة معينة، أي أجوبة جزئية عن الإشكالية ومسارا للتمحيص قابل للمراجعة بنفس المنهجية السالفة.
إذن فحصص المدرس يمكن اعتبارها مسارات لا متناهية للبحث لذلك عليه التحلي بخصال
الباحث المستمر في حركته الدائبة نحو المجهول دون كلل ولا ملل.
4
- المدرس الفنان:
اعتبرت
ولازالت مهنة التدريس موهبة كالفن والإبداع نظرا للحدود اللامرئية التي تجمعها مع
مختلف أنواع الفنون فإذا كان للرسام منتوج يدعى لوحة، وللمغني القطعة
الموسيقية وللمسرحي مقاطع ومشاهد تشخيصية ، فإن للمدرس صنيعة Oeuvre مرتبطة به وقد أوجدت
الدراسات العديد من الجسور بين الدرس والمسرحية أو اللوحة التشكيلية أو حتى
المقطوعة الموسيقية.
سوف
نقتصر على مثال أب الفنون أي المسرح لأن هذا المثال سوف نحيل عليه في أمكنة أخرى
من هذه المحاولة. وعليه فالتماثل حاضر بين
الدرس/المسرحية، والممثل/المدرس على أكثر من مستوى:
*
على مستوى التصور والعلاقة مع الواقع،
فالمسرحية هي محاكاة للواقع بأشكال مختلفة تمتد عبر التشويه أو الاختزال أو
السخرية.... نفس الأمر داخل الفصل الدراسي فالمدرس يعرض أشياء الواقع ويقدمها
لجمهور محدود حسب الشكل الذي يراه من خلال تمثله لذاته ومهمته وعلاقته بالمعرفة/الواقع.
*
على مستوى الإخراج فالمدرس ينطلق من
نص/المعرفة المدرسية ويقوم بإخضاعه لإعادة كتابة ليكون على شكل سيناريو متماسك يتساوق
مع الوضعية وطبيعة الفئة المستهدفة ويمكن اعتبار جذاذة التحضير نوعا من الخطة الإخراجية للمسرحية (Meirieu,
1992, p 15).
*
على مستوى البنية العامة، فإذا كان فعل التعلم يرتكز على ثلاث عناصر: مدرس، تلميذ،
معرفة. فإن المسرح يرتكز على تلاثي نص مسرحي، ممثل، جمهور. وتعتمد العملتين على
مبادئ أساسية:
ـ
مبدأ التشخيص: أي تحويل ظواهر من النص إلى الواقع واستعمال وسائل للتوضيح: في المدرسة صور وتجارب.. وفي
المسرح الحوار واللباس والديكور.
ـ
مبدأ التهيئ: فإذا كان الدرس يحتاج إلى تحضير للمعرفة والمنهجية، فإن المسرحية
تحتاج إلى تدريب وحفظ للأدوار بعد
توزيعها.
ـ
مبدأ التوصيل: للمدرس والممثل رسالة يبتها عبر المسرحية/الدرس ويريد أن يكون المتلقي في انتظارها واستثمارها
على المدى المتوسط والبعيد.
ـ
مبدأ العبور: الممثل يمر عبر نص مسرحي
ولباس وديكور وفضاء لا يملكه بل هو هنا لأداء "الدور". كذلك
المدرس يقدم معرفة داخل فضاء قسم أو ملعب في ملكية المجتمع والجمهور عابر كذلك إلى
فضاءات وأماكن أخرى. (Runtz,2000,p24).
قد
يقع الاعتراض على هذا التحليل باعتبار المواد الدراسية ليست كلها مواد أدبية تعتمد على النصوص.. إلا أن
الأبحاث الحديثة تؤكد على أن المدرس لمواد علمية وتقنية كلما امتلك حسا مرهفا
وخيالا واسعا إلا واستطاع خلق وضعيات ديداكتيكية تتساوق مع طريقة تفكير التلاميذ،
مما يجعلهم يتوقون إلى تحدي الوضعيات-المشاكل التي يقترحها عليهم المدرس. لأن
المعرفة من صنع الإنسان فهي تكره التحنيط في قوالب جاهزة وصالحة لكل زمان ومكان (الضاقية،
2003، ص 44). إذن فحاجتنا للمدرس الفنان تتعاظم يوما بعد يوم.
5 -
المدرس المتواصل:
تحدد
إحدى التعاريف التواصل بكونه علاقة وجدانية تفاعلية ذات أثر على الصحة النفسية
للأفراد والتوازن العاطفي للمجتمع (تمحري،
2007، ص 16) على ضوء هذه الرؤيا نجد أن المدرس هو
كائن متواصل أصلا لأن موقعه في المجتمع
يتيح له عملية توصيل معارف ومهارات وقيم
المجتمع الحالي إلى أعضاء وأفراد المجتمع المستقبلي. إلا أن هذه العملية ليست آلية
بل في هذه العلاقات التفاعلية ضمانا للصحة النفسية والتوازن المجتمعي. إذن فالمدرس
الذي يخرج من بيته ذات صباح بكل مقوماته
الذاتية يمارس التواصل أولا مع المحيط ثم مع التلاميذ بعد ذلك. فهو أولا يرى قبل
أن يسمع ويسمِع صوته قبل أن يفهم خطابه. إذن فإنه يرسل شفرات عبر جسده وهيئته ثم عبر صوته وحركاته ثم بعد
ذلك باختيار اللغة التي يتحدث بها أو
مستويات الخطاب الذي يضعه رهن إشارة المتلقين.
وعند
محاولتنا اقتحام قاعة الدرس نجد أن المدرس يوجد في وضعية تواصلية دائمة مع جماعة
القسم لأن الدرس أو المجزوءة هي مجموعة من التدفقات والتبادلات وتسلسلا من المعلومات التي لا يجب فصل مقطع منها دون أخذ السوابق واللواحق بعين الاعتبار.
فالكتاب
المدرسي الذي يحتوي المادة الدراسية يتم
التعامل معه عبر قناتين تواصليتين على الأقل. فالقناة الصوتية-السمعية تتيح تعبئة
لغة شفوية علائقية وتنظيمية وديداكتيكية من أجل ربط الصلة وتمرير التوجيهات
والتعيينات من أجل خلق وضعيات تعليمية متساوقة مع المادة الدراسية ومتطلباتها وكذا
الطبيعة وحاجات جماعة القسم، التي تتميز لا محالة باختلاف من حيث علاقتها
بالاستراتيجيات التواصلية وكذا لاختلاف الشفرات والسياق/المرجع. أما القناة
المرئية أو البصرية فتمكن من ولوج مستوى
أعلى من التواصل حيث الأيقونات المختلفة وكذا الأوضاع الحركية والسيمية والشفرات
الثقافية التي يحملها كل من المدرس والتلميذ ثم
طرق واستراتيجيات تصريفها. وقد تم تطوير هذه الشفرات بعد التعامل المكثف
للتلاميذ مع تيكنولوجيا الإعلام والتواصل، حتى أننا أصبحنا نحس بفوارق دالة بين
آليات تواصل المدرسة التي تبدو تقليدية وآليات تواصل التلاميذ في ما بينهم على ضوء
منتديات الدردشة التي أصبحت في متناول
اليد عبر نقرة واحدة على إحدى المواقع أو المدونات.
إذن فالمدرس المتواصل حاضر كملمح خاص لكن التحولات
والثورة التكنولوجية كفيلة بوضعه ودوره
موضع تساؤل إذا لم يكن في مستوى
هذا التطور لتبقى له تلك المهمة التي أناطها به المجتمع. وتحذر بعض الدراسات من
خطورة وتعقد الموضوع في ظل العولمة المتوحشة (Wolton,
2005, p15)
وتنادي بإنقاذ ما يمكن إنقاذه انطلاقا من صورة المدرس.
6 -
المدرس صاحب مشروع:
انتقل مفهوم المشروع من عالم الاقتصاد والمقاولة إلى
المجال التربوي فأصبحت المؤسسة التعليمية تعمل بمقاربة المشروع على مستوى التنظيم
الإداري والمالي وكذا على مستوى التنظيم التربوي بل أصبح للتلاميذ كذلك مشروعهم
الشخصي الذي يدخل في إطار اهتمام عام
للأسرة والمدرسة وكذا المجتمع وتتداخل هذه المشاريع كلها لتحقيق هدف واحد يعد
الجميع مساهما فيه (الضاقية، 2007، ص 149).
وتشير أدبيات المشروع إلى هيكل عام يتكون من مراحل معينة لبناء المشروع وهي مرحلة
التصور التي هي عبارة عن عمليات ذهنية تأخذ الحاجات بعين الاعتبار ثم مرحلة
التنفيذ، فمرحلة تقويم المشورع وهو قياس درجة التوافق بين المرحلتين السابقتين.
وعلى
مستوى المدرس فإن المتأمل من وجهة نظر تفكيكية لمهامه نجده يشتغل بمقاربة المشروع في كل حصة دراسية بل في كل
مقطع تعلمي: فالمدرس يدخل مرحلة بناء المشروع من خلال التصور عندما يضع نصب عينيه
المعارف والمهارات والقدرات الواجب الوصول
إليها خلال حصة دراسية فيستحضر العامل الزمني والموارد المعرفية المتاحة على شكل دعامات وأنشطة وآليات وأدوات
وكذا استعدادات الفئة المستهدفة. ويفرغ هذا التصور في جذاذة تحضير أو خطة/سيناريو
لحصة أو مقطع أو نشاط تعلمي. وعندما يصل إلى الفصل الدراسي يبدأ مرحلة التنفيذ عبر
آليات تركيب الأهداف والقدرات والموارد والزمن عبر أدوار ومهام. كما يقوم
باستراتيجيات للتعديل وتدبير المقاومات في
إطار عدة تواصلية يعتبرها فعالة بالنظر إلى الخصائص النفسية والعمرية للتلاميذ
بناء على الوضعية. ثم يأتي إلى مرحلة التقويم التي هي محطة حيوية في إطار تدبير
المشروع لأنها تتيح المحاسبة والتعديل عبر مؤشرات معينة تختلف من مادة دراسية ومن مرحلة إلى أخرى.
إلا
أن المدرس لا يعتبر صاحب مشروع فقط على مستوى هذه البنية الصغرى Micro
structure
والتي لها أهميتها بالطبع. بل المدرس يعتبر
شريكا في مشروع مجتمعي متكامل فالمضامين
والقيم والكفايات التي يشتغل بها في إطار الدرس أو المقطع تنتمي لبنية كبرى
توافق عليها المجتمع واعتبرها مشروعه المستقبلي لذلك نجد المدرس يوجد في وضع حساس حيث يعد بؤرة للتوترات المجتمعية
ومختبر تجريب للاختيارات الكبرى بل يقوم بدور مصفاة للمعارف والمقاربات والعلاقات
وكذا المشاريع، والكل يعرف دور المصفاة
التي تترك مرور المواد النقية وتحتفظ هي بالشوائب الضارة مما يجعلها تتأثر بها مع
مرور الوقت ( Blanchard,
2001, p94).
وعلى
هذه الأسس نلاحظ دخول ثقافة المشروع في
عمليات انتقاء الموارد البشرية المؤهلة.
ولن نكون بعيدين من انتقاء المدرسين بناء على مشاريعهم في القريب وسوف يكون
تقويمهم بناء على هذه المشاريع وهي من بوابات التمهين.
6 ـ المدرس/ المواطن :
لن نهي هذه الملامح دون
الإشارة إلى بعد المواطنة في ملمح المدرس باعتباره يعيش في وطن يعتبر هو أكثر
الناس ملامسة لمشاكله وهمومه ومصيره . إن المدرس قادر على التنبؤ بمصير وطن بأكمله
لأن أمامه صباح مساء مكونات وطن المستقبل ، باعتبار التلاميذ/ات الذين في عهدته
كأفراد ونفسيات وشخصيات واضحة أو خفية . لذا كان المدرس دائما في الصفوف الأمامية
للحركة الوطنية لتحرير البلد من الاستعمار ، كما انه دفع ثمن بناء الوطن على مستوى
بناء المؤسسات وتحقيق التنمية ومن بواباتها محاربة الأمية وتوفير الأطر . ثم خاض
حربا من نوع آخر بواجهة سنوات الرصاص فدفع المدرس الثمن باهضا لتأسيس الحقوق وبناء
الديموقراطية والدفاع عن الحريات الفردية والجماعية . ويشارك المدرس اليوم بحيوية
في حركية المجتمع المدني عبر تأسيس الجمعيات وتشبيك المشاريع ونشر الوعي التشاركي
في أماكن وأزمنة مختلفة .إن رسم ملمح ثابت لهذا الفرد من المجتمع يعد مجازفة
حقيقية لذا فهو الفرد المتعدد والمتعدد الفرد .
مــــــــراجــــــــع
السكتاوي،
2001،دليل لالهيئة التعليمية بالمغرب ، صدى التضامن ، الدار البيضاء .
بوبكري،
1998 ، المدرسة وإشكالية المعنى ، البيضاء .
الضاقية،
2007 ، الحياة المدرسية والتربية على المشروع ، آفاق ، مراكش .
الضاقية،
2006 ، مكونات الفعل التربوي : تلميذ – مدرس – معرفة ، البيضاء .
Blanchard,
2001 ,Les enseignants entre plaisir et souffrance , Puf , Paris .
Meirieu,
1992,Enseigner : scenario pour un
metier nouveau , ESF .
Wolton,
2005, Il faut sauver la communication ,Flammarion .
Runtz,2000,
Enseignant et comedien : un meme metier .